للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وعلى أن استباحة المال بدليل عارض وعدم استباحة الوطء بمثل ذلك الدليل لا يدل على اختلافهما في أصل التحريم، ويجوز أن يوجد سببان محرمان لا شبهة في واحد منهما، وإن اختلفا مثل الاختلاف الذي قلتم.

ألا ترى أن الكفر والقتل كل واحد منهما محرم من غير شبهة، وإن كان جنس أحدهما يستباح بدليل يقوم عليه وهو القتل ولا يستباح الآخر بحال وهو الكفر.

وأما عذرهم عن الإحرام وقولهم: ((إن الوطء استمتاع وارتفاق فهذا المعنى فيه أكثر منه في سائر المحظورات)).

قلنا: مقادير الارتفاقات غير معتبر بدليل أن الارتفاق في اللبس أكثر منه في قلم الظفر وحلق الشعر ومع ذلك يستوي الكل في الكفارة، فدل أن المعتبر أصل الارتفاق ولا مقداره، ولكن إنما خالف الوطء سائر المحظورات، لأن تأثير السبب في أكثر من تأثيره في غيره على ما يوجبه قضية الشرع.

فإن قالوا: قد ظهر تأثيره في الحج حتى إنه يمتد زمان تحريم الوطء ما لا يمتد زمان سائر المحظورات، وههنا زمان التحليل والتحريم في الوطء وغيره واحد.

قلنا: تمييز الوطء من بين سائر المحظورات لم يكن لما قلتم بدليل أن الوطء يمتاز من بين سائر المحظورات وإن كان في العمرة، كما يمتاز في الحج حتى إن القضاء يجب بالوطء ولا يجب بسائر المحظورات وإن كان التحليل والتحريم في الكل واحد في العمرة.

وإذا ثبت أن تأثير السبب في الوطء أكثر منه في الأكل والشرب جاز أن يختص بإيجاب الكفارة مع مساواته الأكل والشرب في كل ما قلتم، هذا تحقيق طريقة الأصحاب.

<<  <  ج: ص:  >  >>