أعمال جليلة في زمن قصير من عمره قضاه بالكويت. ونسأل الله سبحانه أن يرفع دعائم هذا الصرح العلمي الشامخ، ويحميه من عوادي الزمان، وطوارق الحدثان، وغوائل السياسة الفتّانة القتّالة. ثم لأن تحقيق الكتاب قد تمّ على يدي باحث فاضل أصبح اسمه مقرونًا باسم مؤلفه، بعدما عرف بفضل عناية بآثاره، فأخرج له كتابين من قبل، وهما "فرحة الأديب" و"أسماء خيل العرب وأنسابها وذكر فرسانها"، بالإضافة إلى قيامه بنشر نصوص تراثية أخرى، وإشرافه على الرسائل العلمية. وليس بمستنكر بعد ذلك أن المعهد لم يعن بمراجعة الكتاب قبل نشره. فالكتاب صغير، والمحقق معروف، ثم بآثار صاحبه خبير. فلم يكن في حسباني يومئذ أن يريبني من هذا الكتاب اللطيف الطريف ما رابني، وأن يشغلني منه ما شغلني فيما بعد. وقد يؤتى الحذر من مأمنه!
فبينما كنت أتصفّح الكتاب ذات يوم عنّت لي هنات، لم أر بها بأسًا. فكلنا خطّاء ولا يضير عملًا أن يكون فيه نقص أو قصور، فذلك من طبيعة العمل البشري لا محالة. ومضيت أقرأ، فوجدت المحقق الفاضل يعزو إلى شرح الحماسة للخطيب التبريزي كلامًا أنكرته، فلما رجعت إلى الشرح المذكور لم أجده فيه، وزاد عجبي، ففزعت إلى فهرس المراجع، فإذا بالمحقق الكريم يعدّ تعليقة الرافعي على الحماسة طبعة من طبعات شرح التبريزيّ ثم بدأت من أول الكتاب أقرؤه برويّة وإنعام نظر، وأتتبع تعليقات المحقق الكريم، فوقفت له على ما وقفت من الأغاليط والتخاليط، والخروج بعض الأحيان - وذلك الخطب الجلل - على ما يقتضيه صريح العقل من أوائل أصول التحقيق.
وعندئذ صحّ عزمي على تقويم ما اعوجّ من أمر هذا الكتاب القيم، وقد حفزني إلى التجرّد له عدة أمور: أولها صدور الكتاب من معهد المخطوطات، وله ماله من مكانة جليلة في نفسي ونفس كل غيور على التراث العربي الإسلامي. والثاني كون محقق الكتاب أستاذًا جامعيًا يرجى منه أن يكون قدوة