للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

مواقف أدبية ولغوية (١)

في كتاب الجماهر لأبي الريحان البيروني

أبو الريحان البيروني (٣٦٢ - ٤٤٨ هـ) من طليعة أعلام الثقافة الإسلامية وأبنائها الأفذاذ الذين أنجبتهم في أخصب عصورها الأدبية والعلمية، وكانت عبقريّته متعدّدة الجوانب متشعّبة النواحي. وأبت له نفسه الطموح وطبيعته المتطلّعة وهمته البعيدة أن يرضى بفن دون فن، ويقتنع بعلم دون علم، وكانت حاله كما قال أبو العلاء المعري:

ولي منطقٌ لم يرض لي كنه منزلي ... على أنني بين السِّماكين نازل

وأعانه على شفاء غليله وتحقيق تطلّعاته ما وهبه الله تعالى من توقّد الذهن، وحدة الذكاء، ودقّة الملاحظة، ونفاذ البصيرة، مع شغف بالعلم، وهيام بالحكمة، وتحرّر من سلطان الهوى والعصبية. فأكبَّ على كل ما حوته الثقافة الإسلامية في عصره من علوم عقلية ونقلية وعربية وعجمية بعقل مفتوح، وبجهد مستمر ونشا دؤوب، لا يكلّ ولا يملّ. "فلا يكاد يفارق يده القلم، وعينه النظر، وقلبه الفكر" (٢). فلم يترك ثنية إلا طلعها، ولا عقبة إلا اقتحمها، فتخصّص في الرياضيات والهيئة، وتضلع من الفلسفة، والتاريخ، والجغرافيا،


(١) قدّم إلى المهرجان الذي عقد في حيدر أباد الدكن سنة ١٩٧٥ م بمناسبة مرور ألف سنة على وفاة البيروني، ثمّ نشر في مجلة مجمع اللغة العربية بدمشق، المجلّد ٦١، الجزء الأوّل (١٩٨٦ م) ص ٨١ - ١٢٤.
(٢) معجم الأدباء (طبعة دار المأمون) ١٧: ١٨١.

<<  <   >  >>