تحدث فيها البيروني عن المروءة والفتوة وفرق بينهما، فقال:"المروءة تقتصر على الرجل في نفسه وذويه وحاله، والفتوّة تتعدّاه إلى غيره، والمرء لا يملك غير نفسه وقنيته التي لا ينازع فيها أنّها له، فإذا احتمل مغارم الناس وتحمل المشاق في إراحتهم، ولم يضن بما أحل الله له وحرمه على من سواه فهو الفتى الذي اشتهر بالقدرة عليها وعرف بالحلم والعفو والرزانة والاحتمال والتعظم". ثمّ نقل حكاية عن جحظة البرمكي أنّه "كان رجل بالبصرة يلبس كل يوم أحسن ثيابه، ويركب أفره دوابه، ويسعى في حاجات الناس فقيل له في ذلك، فأجاب: إنّي قد تلذذت بصافي عقار الدنان، وشربتها على أوتار مجيدات القيان، كأنّها أصوات الأطيار في الأشجار بغرائب الألحان، في أطيب الزمان، فما سررت منها بشيء سروري برجل أنعمت عليه، فشكرني عند الإخوان".
وأضاف إلى ذلك ما قيل في الفتوّة فقال:"ولهذا حُدَّت الفتوّة بأنّها بشر مقبول، ونائل مبذول، وعفاف معروف، وأذى مكفوف". ثمّ نقل البيروني ما وقّع به إسماعيل بن أحمد الساماني (ت ٢٩٥ هـ) على كتاب لأحد أبناء أهل البيوتات حينما توسّل إليه بآبائه: "كن عصاميًا لا عطاميًا"، وشرح التوقيع، وأيّده بآية كريمة، وحكى قول بعض اليونانية وقول الشاعر العربي. ويفصل البيروني الكلام في الفتوّة ومظاهرها حتّى يفضي إلى أحاديث الصعاليك وحاتم الطائي وكعب بن مامة الإيادي، ويختم الترويحة بشعر رائع في وصف الفتيان نحو قول الشاعر:
[يجود بالنفس إذ ضن الجواد بها] ... والجود بالنفس أقصى غاية الجود
وقول عمرو بن الأهتم:
وليس فتى الفتيان من راح واغتدى ... لشرب صبوح أو لشرب غبوق
ولكن فتى الفتيان من راح واغتدى ... لضرِّ عدو أو لنفع صديق
وقول علي بن الجهم:
ولا عار إن زالت عن الحرِّ نعمة ... ولكن عارًا أن يزول التجمل