التوفيق بين الحدود المختلفة للمروءة من اجتناب المحارم وكفّ الأذى، ومن الإرادة للغير ما يراد للنفس، وأن لا يعمل سرًّا ما يستحي منه في العلن فيقول:"ومن حسّن خلقه بتحسين الخلق، وهيّأ مطعمه بالطيب من الحلال، وأشرك غيره بالتسوية، واحتشد فيما زاول بالنظافة، وتمّمه بالطيب الذي هو أحد ما حبّب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من علائق الدنيا فقد سرّ أكيله، وآنس جليسه، وأكرم نديمه، وكف أذاه، وأراد له ما أراد لنفسه، وخرج عن العهدة الواردة فيمن منع رفده، وأكل وحده، وضرب عبده".
منهج الكتاب ونموذج من استطراد البيروني:
أمّا المقالة الأولى فهي في الجواهر وأشباهها وتوابعها والأحجار الكريمة، وأمّا الثانية فهي في الفلزات والشبه المعمولات والممزوجات بالصنعة. ومنهج البيروني في هاتين المقالتين - بصورة عامة - أنّه يستهلّ البحث بآية كريمة إذا وردت فيه، ثمّ يعدد أسماء الجوهر في اللّغات الأخرى، ثمّ يورد أسماءها وصفاتها عند اللغويين والجوهريين، ويشرحها وينتقدها أحيانًا، ويسهب بعد ذلك في المباحث العلمية من خواص الجوهر وأنواعه وألوانه ومعادنه وطرق استخراجه وما يفسده وما يصلحه وثقله النوعي، ثمّ ينقل الأخبار والأساطير والشعر والأمثال والتشبيهات ومسائل الفقه والتفسير وكل ما له صلة بالموضوع حتّى أصبح الكتاب موسوعة في الجواهر والفلزات. ويتخلّل هذه المباحث فصول من اللغة والنقد واستطرادات تطول وتقصر.
وأول استطراد في الكتاب استغرق خمس صفحات (٥٦ - ٦١) وذلك أنّ البيروني عقد فصلاً عنوانه: "أخبار في اليواقيت والجواهر"، وذكر فيه بعض الجواهر التي كانت قنية الأكاسرة وانتقلت إلى المسلمين حينما فتحوها، ووصف حال الخلفاء الأربعة رضي الله عنهم بالانقباض عنها وصرفها إلى سائر المسلمين، ومدح خلفاء بني أمية "بعدم الترعن غير نفر أو نفرين" فتوفّرت