غرضه من الاستطراد فيقول (ص ٣٨): "ولنرجع إلى ما كنّا فيه، فما انحرفنا عنه إلا لإشباع التفهيم".
البيروني اللغوي:
أمّا مباحث اللغة والنقد التي يتضمّنها الكتاب فلا نستطيع أن نعرضها جميعًا، لضيق المجال، ولكن سوف نحاول أن نقدّم صورًا منها تتجلّى فيها شخصية البيروني اللغوي والبيروني الناقد.
ظاهرة لغوية ورأي البيروني فيها:
من الظواهر البارزة التي يلمسها كل أحد في اللغة العربية واللغة السنسكريتية كثرة الأسماء لمسمّى واحد، ويفطن البيروني لأسباب ذلك، ولكن يعدّها من أعظم معايب اللغة إذا لم ترجع إلى اختلاف القبائل واستئثار كل منها باسم معيّن، وأراني مضطرًا إلى نقل ما قاله في كتاب الهند ليتّضح رأيه في هذه الظاهرة، فقال في مقدّمة الكتاب وهو يتحدّث عن الأمور الحائلة دون ارتباط العرب بالهند:
"إن القوم يباينوننا بجميع ما يشترك فيه الأمم، وأوّلها اللغة وإن تباينت الأمم بمثلها. ومتى رامها أحد لإزالة المباينة لم يسهل ذلك لأنّها في ذاتها طويلة عريضة تشابه العربية. ويتسمّى الشيء الواحد فيها بعدّة أسامٍ مقتضبة ومشتقة. وبوقوع الاسم الواحد على عدّة مسميات محوجة في المقاصد إلى زيادة صفات إذ لم يفرّق بينها إلاّ ذو الفطنة لموضع الكلام وقياس المعنى إلى الوراء والأمام. ويفتخرون بذلك افتخار غيرهم به من حيث هو بالحقيقة عيب في اللغة"(١).
(١) كتاب الهند (دائرة المعارف العثمانية بحيدر اباد الدكن سنة ١٩٥٨ م): ٩.