ويكشف البيروني هذا العيب في موضع آخر من الكتاب نفسه وهو يذكر عدد الأرضين وأسماءها عند الهنود فيقول:"لم يختلفوا في عدد الأرضين ولا في الأقسام العليا، وإنّما اختلفوا في أساميها، وفي ترتيب الأسامي. فربّما أحمل ذلك الاختلاف على سعة اللغة، فإنّهم يسمّون الشيء الواحد بأسماء كثيرة جدًا، والمثال بالشمس فإنّهم سمّوها بألف اسم على ما ذكروا، كتسمية العرب الأسد بقريب من ذلك، بعضها مقتضبة اقتضابًا، وبعضها مشتقّة من الأحوال المغايرة فيه أو الأفعال الصادرة. وهم من شابههم يتبجّحون بذلك، وهو من أعظم معايب اللغة. فموضوعها إيقاع اسم على كل واحد من الموجودات وآثارها بمواطأة بين نفر، يعرف بها بعضهم عن بعض غرضه عند إظهار ذلك الاسم بالنطق، فإذا كان الاسم الواحد بعينه واقعًا على عدّة مسمّيات دلّ على ضيق اللغة، وأحوج السامع إلى سؤال القائل عمّا يعنيه بلفظه، فسقط ذلك الاسم إمّا بآخر مثله يغني، وإمّا بتفسير معرف للمعنى. وإذا كان للشيء الواحد أسماء كثيرة، ولم يكن سبب ذلك استبداد كل قبيلة أو كل طبقة بواحد منها، وكان في الواحد منها كفاية اتّصفت الباقية بالهمز والهذيان والهذر، وصارت سبب التعمية والإخفاء أو تحمل المشاق لحفظ الجملة بلا فائدة غير ضياع العمر"(١).
أمّا في كتاب الجماهر فذكر هذه الظاهرة عدّة مرّات ولم ينس الهنادك، فقال (ص ١٠٤): "وأسماء الشيء الواحد تكثر بحسب اللغات، ويزيدها كثرة تمايز الطوائف بالشعوب وتحيّزها بالقبائل حتى إنّ لغاتها وإن لم تتغاير بالكلية فإنها تختلف بالشيء بعد الشيء. وللهند ولوع بكثير الأسامي لمسمّى واحد تقتضب بعضها وتشتقّ بعضها من صفاتها وحالاتها". وقال في موضع آخر (ص ١٠٧): "وأسماء اللآلي تكثر في العربية جدًا ككثرة أسماء الأسد فيها، ولسنا