ومن حضور بديهة البيروني أنه أنشد بيتًا للبحتري الذي استعمل الكلمة نفسها التي انتقدها الآمدي في بيت أبي تمام، ويقول: "وكما قال البحتري:
بمنقوشة نقش الدنانير ينتقى ... لها اللفظ مختارًا كما ينتقى التبر
وهذا هو الانتقاء لولا التجنّي والقلى، وما أعلمه أنه عنى بقوله من الشعر شعر غيره دون شعر نفسه".
ثم أنشد البيروني تسعة أبيات في التشبيه باللؤلؤ الرطب منها قول ابن المعتز:
كأن الكأس في يده عروس ... لها من لؤلؤ رطب وشاح
وقال: "ثم تجاوز اللؤلؤ في الرطوبة إلى الجواهر الرطب بإطلاق فقال:
نظمت قلائد زهرها بجواهر ... رطب زمرُّدها ندٍ عقيانها
بل من الزمرد والعقيان إلى أدون الخرز:
يا غصنا من سبجٍ رطب ... أصبح منك الدر في كرب"
وأورد البيروني مثالًا آخر لتحامل الآمدي على أبي تمام فقال (ص ١٢٤): "وما يزيدك استيقانًا بسوء رأي أبي القاسم لأبي تمام أنه قال في قوله:
فكل كسوف في الدَّراري شنعة ... ولكنّه في الشمس والبدر أشنع
كسوف الكواكب أن يسترها كوكب فلكه دونها ولا يتفقّده إلاّ المنجّمون، فليست فيه شنعة لأن الشنعة تكون فيما عمت رؤيته".
ثمّ ردّ البيروني على الآمدي ردًّا مفحمًا، ودافع عن أبي تمام دفاعًا قويًا وختم البحث بقوله: "وأبو تمام مظلوم جدًا من أبي القاسم في أكثر الأمر".
ولا يخفى ما ينمّ عنه هذا التعليق من تألّم شديد لتحامل الآمدي على أبي تمام وما غمط من حقّه وطمس من محاسنه، ولعلّ تحامله هو الذي دفع البيروني إلى أن يشرح شعر أبي تمام، ويرد خصومه، ويكشف القناع عن