فلمّا رأى صاحبنا الآمدي يتحامل على أبي تمام ويجحف بحقّه حمله حبّه للحق والعدل فضلًا عن إعجابه بأبي تمام على أن يدافع عنه في كتاب الجماهر. فينقل البيروني من كتاب الموازنة ويعلّق عليه فيقول (ص ١٢٠): "إنّ أبا القاسم الآمدي أنشد لأبي تمام:
مفصلة باللؤلؤ المنقى لها ... من الشعر إلاّ أنها لؤلؤ رطب
وقال: عنى به المحدث، وهذا من اختراعاته، ولم يخرجه مخرج المدح والرضى فإن فضل ميله إلى البحتري على الانحاء أبي تمام (كذا) مع ادّعائه الإنصاف بينهما في كتاب الموازنة بين شعريهما".
ويرد البيروني على الآمدي فيقول:"فإن كان أبو تمام اخترعه فقد اتّبعه الكافة، ولهجوا بذكره، ولم يصابروا عنه، وكل محدث فتي في جنسه من حيوان أو غصن أو نبات فإنه لا محالة أنعم وأرطب بسبب استعداده لقبول النماء، فإن كان اللؤلؤ في الصدف ناميًا فله من تلك الرطوبة حظ، وإن برز فليس يعني غير مائه وبهائه، وإن كان أصلب من الحجارة والحديد".
وكذلك عاب الآمدي قول أبي تمام "باللؤلؤ المنتقى" وقال قولًا يدلّ على عصبية عمياء وهو قوله: "إن المنتقى من الشعر لا يكون إلاّ مسروقًا، وقبيح فاحش أن يعترف بالسرقة".
ورحم الله أبا الريحان، فقد دافع عن أبي تمام وأحسن الدفاع، فقال:"وكأن أبا القاسم عرف هذه السرقة بالكهانة أو الطالع والعيافة، فلست أرى لها في البيت أثرًا، وما على الرجل إذا قال في قصيدته إنها مفصلة لؤلؤ من الشعر ذي ماء ورونق، مختار لسمطها، منقح من العيوب، مهذب عن المقادح، وقد أكددت خاطري في انتقائها، كما قال عدي بن الرقاع:
وقصيدةٍ قد بتّ أجمع بينها ... حتّى أقوم ميلها وسنادها"