عشرين وجهًا. ولكن لم نقف على تلك الوجوه ولا على نصفها فيما وصل إلينا من مصنّفات العلماء قبله أو بعده، وإنّما وجدنا مصداق كلامه في هذا الكتاب القيم، فإنّه جاء بأكثر من عشرين دليلًا على أن الذبيح إسماعيل عليه السلام، ونصفها من التوراة المحرّفة التي لا يزال اليهود والنصارى متمسّكين بها. وما رأينا من هذه الوجوه المستنبطة من التوراة في غير هذا الكتاب إلاّ وجهًا أو وجهين.
وهو كتاب فريد لإمام نابغة من جهابذة علماء الإسلام، أراد الله به خيرًا ففقّهه في الدين وعلّمه التأويل، وفتح عليه من علوم كتابه العزيز ما شاء، فكان في فهم القرآن منقطع القرين. كان غاية بل آية في حدّة الذكاء، ووفور العقل، ونفاذ البصر، وشدّة الورع، وحسن العبادة، وغنى النفس، ولئن تأخّر به زمانه لقد تقدّم به علمه وفضله، وهو الإمام عبد الحميد الفراهي رحمه الله (١٢٨٠ - ١٣٤٩ هـ) صاحب تفسير "نظام القرآن وتأويل الفرقان بالفرقان".
وتصدّى الإمام الفراهي رحمه الله في كتابه هذا لإبطال ما زعم اليهود من أن الذبيح إسحاق عليه السلام، والكشف عن تحريفاتهم لإثبات ذلك في التوراة. وقد يظنّ بعض الناس أنّ هذه المسألة مسألة فرعية جزئية من التاريخ، وسواء أإسماعيل كان الذبيح أم إسحاق، فكلٌّ من أنبياء الله ورسله. فليست لذلك أهمّية شرعية تستوجب اهتمامًا كبيرًا كهذا. ولكنه ظنّ لا نصيب له من الصحّة.
وقد شرح الإمام الفراهي - رحمه الله - في مقدّمة كتابه الأسباب الداعية إلى تأليفه، وهي ثلاثة أمور:
أوّلها: هو مكانتها العظمى في ملّتنا، وتكلّم على خطر هذه المسألة في تاريخ الإسلام وأهمّيتها لفهم حقيقة الإسلام نفسه كلامًا في غاية النفاسة. وهو باب عظيم من علم أسرار الدين. ولقد وددنا أن نلخّص هذا الكلام هنا، ولكن تعذّر ذلك لما يمتاز بيان المؤلّف من شدّة الإيجاز وحسن الرصف، فكلّ ما قاله هو الخلاصة بعينها. يقول في آخره: "فمن زعم أن هذا الابتلاء وقع على جبل