(ت ٨٦٤ هـ)، وأشار إلى رسالة السيوطي (ت ٩١١ هـ). والظاهر أنّ المؤلّف رحمه الله لم يقف عند تأليف كتابه على كلام ابن القيم رحمه الله في زاد المعاد، مع شغفه بمصنّفاته، ومصنّفات شيخه الإمام ابن تيمية رحمه الله.
وللمؤلّف رحمه الله كلام جميل في هذا الفصل في الدفاع عن العلماء الذين لم يتّخذوا موقفًا قويًا في هذه المسألة، فاكتفوا بذكر القولين دون الجزم بأحدهما أو بمجرد الترجيح، وقد أحسن كل الإحسان إذ صيّر ذلك من مناقبهم فقال:"والسبب في ذلك - والله أعلم - أنّ علماءنا رحمهم الله تعالى براء من التعصّب لنبي من الأنبياء. ثمّ إنّهم لا يجترئون على القطع في تأويل القرآن ما لم يكونوا على بصيرة فيه، ثمّ إنّ المتأخّرين منّا على غاية مراعاة الأدب للسلف. فإذا وجد أحدهم اختلافًا من السلف في تأويل أمسك عن القطع بأحد وجوهه، واكتفى بالإشارة إلى ما هو المرجّح عنده، ومع ذلك من كان على بيّنة من أمره جاء بقول فصل. وفي اختيار ابن جرير رحمه الله أنّ إسحاق عليه السلام هو الذبيح لأكبر شهادة على أنّ المسلمين لم ينظروا في هذه المسألة نظر المتعصّب المعاند، وكذلك الشهادة في عدم القطع من بعضهم بأحد الجانبين".
وآخر فصول هذا الباب في الاستدلال بأحوال العرب قبل الإسلام وأقوالهم تكملة للقرائن التاريخية التي وردت في البابين السابقين، وتفصيلًا للإشارات التي تضمنها قوله تعالى في سورة آل عمران في أمر بيت الله:{فيه آيات بينات مقام إبراهيم ومن دخله كان آمنًا} ... الآية.
والكتاب كلّه من أوّله إلى آخره نمط عالٍ من التحقيق والتأليف، ومثل خليقٌ بالاحتذاء في أدب الخلافة والمجادلة الحسنة، في أسلوب علمي يتميّز ببراعة التحليل ودقّة الاستنباط، وقوّة الاستدلال، وحسن التأتّي للمعضلات، ونقد الآراء في تواضع جمّ واحترام تامّ لأصحابها، مع إحكام النسج، ونهاية الإيجاز، ونصاعة البيان.