وقد سبق في الفصل الأول أن أبا عدنان عبد الرحمن بن عبد الأعلى السلمي - وهو من أصحاب أبي زيد وأبي عبيدة - صنّف كتابه في غريب الحديث على أبواب السنن، وقد وقف عليه ابن درستويه (٣٤٧ هـ) فوصفه بقوله: "ذكر فيه الأسانيد، وصنّفه على أبواب السنن والفقه، إلا أنه ليس بالكبير"(١). وقد رأى أبو الخير سلامة بن غياض الشامي الكفرطابي النحوي (٥٣٤ هـ) نسخة من كتاب أبي عدنان بالري. فكان كتاب أبي عدنان إذن موجودًا في زمن بيان الحق، ولا ندري أوقف عليه أم لا، غير أنه لم يكن بين يديه حينما ألف كتابه جمل الغرائب. ولا نعرف من أصحاب الغريب من اتبع أبا عدنان في ترتيب غريب الحديث على الموضوعات غير بيان الحق. ولكن بينهما اختلافًا ظاهرًا من عدة وجوه، منها أن بيان الحق لا يذكر الأسانيد، ومنها أن كتابه - في عناوين أبوابه - يشبه الجوامع والمسانيد من كتب الحديث من جهة، ومن جهة أخرى يشبه كتب الأدب والأخبار، وأما السنن فليست إلا جزءًا من كتابه. ثم كتاب أبي عدنان لم يكن كبيرًا، أما كتاب بيان الحق فهو كتاب حافل كبير.
وقد افتتح بيان الحق كل باب بخطبة تشير إلى فوائده، أنشأها بأسلوبه الأدبي. وأورد هنا خطبة قصيرة منها لتكون نموذجًا لسائرها. وهي التي استهل بها كتاب زواجر الجنايات.
"الحمد لله المحمود في أوصافه وأسمائه، المعبود في أرضه وسمائه. دلّ بانتهاء كل شيء على ابتدائه، وخبّر بتغير كل أمر عن انقضائه. يدعو رجاؤه إلى الحسنات، ويكف خوفه عن السيئات. ويؤدي مراقبته إلى العفو والنجاة، وتبعث ألطافه على البرّ والتقاة. وتفيء فروضه إلى أوفى الفلاح، وتفيض حدوده بأوفر الصلاح. له الحكم المبين، والكيد المتين. يهلك المعتدين،