وأرى أن في قول النيسابوري "بين الإيجاز والإعجاز" تلميحًا إلى كتاب لبلديه الشهير أبي منصور الثعالبي النيسابوري (٤٢٩ هـ) سمّاه "الإعجاز والإيجاز" ويسمّى أيضًا "إعجاز الإيجاز"، ولم يخرج كلامه مخرج الادعاء بأن كتابه معجز، وإنما غرضه أنه اختصر الكلام بأقصى ما يستطاع. كما قال ياقوت نفسه في مقدمة معجم الأدباء، وهو يصف منهجه فيه:"جمعت في هذا الكتاب ما وقع إلي ... مع إيثار الاختصار، والإعجاز في نهاية الإيجاز". على أن هذا أيضًا غير مسلّم للنيسابوري ولا لياقوت، ولكن بعض المصنفين - غفر الله لهم - جروا على إطراء كتبهم.
على كل حال، فإن طريقته التي سار عليها في هذا الكتاب أنه ينصّ أولًا على المصدر الذي ينقل منه مشيرًا إليه برمزه، ثم يثبت الحديث من غير سنده، ويتبعه تفسير ما جاء فيه من الألفاظ الغريبة ملخصًا إياه من المصدر نفسه. وإليكم أنموذجًا لهذا التلخيص والاختصار.
نقل أبو عبيد حديث حكيم بن حزام أنه قال:"بايعت النبي صلى الله عليه وسلم ألا أخرّ إلا قائمًا"، ثم ذكر سنده، ثم قال:"وقد أكثر الناس في معنى هذا الحديث، وماله عندي وجه إلا أنه أراد بقوله (لا أخرّ) أي لا أموت، لأنه إذا مات فقد خرّ وسقط. وقوله (إلا قائمًا) يعني: إلا ثابتًا على الإسلام. وكل من ثبت على شيء وتمسّك به، فهو قائم عليه. قال الله تبارك وتعالى:{ليسوا سواءً من أهل الكتب أمة قائمة يتلون آيات الله آناء اللَّيل وهم يسجدون}(آل عمران: ١١٣). وإنما هذا من المواظبة على الدين والقيام به. وقال الله عزّ وجل {ومن أهل الكتاب من إن تأمنه بقنطار يؤده إليك ومنهم مَّن إن تأمنه بدينار لا يؤده إليك إلا ما دمت عليه قائمًا}(آل عمران: ٧٥) ".
ثم نقل أبو عبيد بسنده عن مجاهد تفسير "قائمًا" في قوله تعالى: {إلَّا ما