والتقريب قد أساء إلى الكتاب، وزاد من مشكلات التحقيق. ولو سلك هذا في كتب غريب القرآن ونحوه لم يؤد إلى كبير ضرر لكون ألفاظها مشهورة محصورة، أما أن يرتّب معجم لغوي كامل على هذه الطريقة فذلك يعني أن المؤلف نفسه قد فتح الباب للتصحيف والتحريف ودعا الناسخين إلى أن يتلعبوا بكتابه كما شاؤوا، ولا سيما إذا كان المعجم يشتمل على الغرائب والشوارد.
ومن ثم كان من شجاعة الدكتور العمري أن أقدم على تحقيق هذا الكتاب والتصدّي لما يلقاه في سبيله من مصاعب راجعة إلى تفردات كراع، وجناية ترتيبه، وعيوب نسخته الوحيدة؛ فلم يثنه شيء من هذه المثبطات، ومضى في طريقه قدمًا غير منتظر للعثور على نسخة كاملة متقنة، متطلعًا إلى الفائدة العظيمة المرجوة من إخراجه في تحقيق المعاجم القديمة، وبخاصة في توثيق الألفاظ المنقولة فيها عن كراع، وفي وضع معاجم جديدة موعبة، وإثراء الدراسات اللغوية في مناحيها المختلفة.
فإذا كان الكتاب مع عظيم خطره وجليل قدره على ما أسلفنا من حزونة وعسر وجب على قرائه أن يؤازروا محقّقه ويشاركوه في تقويم ما انآد من النص واعتاص. وينبغي أن يكون ذلك دأبهم في كل ما ينشر من تراثنا العتيق، لكنه في مثل هذا الكتاب أحق وأوجب. وهذه هي الخلة الثالثة من الخلال الثلاث التي دعتني إلى قراءة هذا الجزء ونشر بعض ما علقت على نسختي.
صدّر المحقّق الفاضل كتاب المجرد بمقدمة اشتملت على ترجمة موجزة لكراع وذكر مصنّفاته وأثره في كتب اللاحقين، ثم تحدث عن موضوع الكتاب وترتيبه، وقفّى بوصف نسختيه الخطيتين والمنهج الذي اتبعه في تحقيقه. وقد وقفت عند بعض ما جاء في مقدمة المحقق، ومن ذلك:
- في ص ١٠ ذكر من مؤلفات كراع "كتاب المجهد" بالجيم والهاء، وأحال على بغية الوعاء ٢: ١٥٨. وأراه تحريفًا لا غير، فإن السيوطي لخص