الإنساني، والنظر الثاني: الإلهي، ويسمون النظر الأول: الطريق إلى الله- تعالى- فكما أن مبدأ الإنسان من معقول ومنتهاه إلى معقول، وهو فيما بين الطرفين محسوس فكذلك علمه يبدأ من معقول وينتهي إلى معقول بينهما العلم المحسوس، فيكون منتهى علم الإنسان هو منتهى ذاته، فيصل إلى عالم العقل في حياته الأولى بعلمه ونظره وفي حياته الثانية بذاته وجوهره، فهذا هو المراد بقول من قال: إن ذات الإنسان تصل بعد مماته إلى حيث وصل علمه في حياته، إلا أنه لا يتجاوز مرتبة العقل الفعال، وهي المرتبة العاشرة من مرتبة السبب الأول.
وقال بعضهم: إن غايته أن يلحق بمرتبة النفس الكلية، ومرتبتها دون مرتبة العقل الفعال- كما ذكرنا فيما تقدم- فهذا ما ظهر إلي في شرح كلامهم الذي سألت عنه و [ثبت] ههنا وجه آخر، وهو أن كل موجود يوصف بالنطق فإن تجوهره لا يكمل إلا بأن يعقل السبب الأول الذي منه انبثقت الموجودات، إلا أن كل موجود تبعد مرتبته من مرتبته لا يمكن أن يعقله حتى يعقل ما بينه وبينه من الموجودات السابقة له بالمرتبة، فالموجود الثاني الذي هو أقرب الموجودات إليه بالمرتبة لا يحتاج في تكميل جوهره إلى واسطة، وأما الموجود الثالث فإنه لا يعقل