الأول إلا بتوسط الثاني، فكذلك الموجود الرابع لا يمكن أن يعقله إلا بتوسط الثاني والثالث، وكذلك ما بعد ذلك، ولا يحتاج موجود من هذه الموجودات غير الناطقة في كمال تجوهره إلى أن يعقل ما دونه في مرتبته إلا الإنسان وحده، فإنه يحتاج في كمال تجوهره إلى أن يعقل ما فوقه وما دونه، ولذلك احتاج في كمال تجوهره إلى أن يعقل جميع الموجودات، والعلة في ذلك أن مرتبته من الوجود الفائض من السبب الأول- تعالى- آخر المراتب؛ لأنه إنما يكون بعد تقدم الحيوان غير الناطق، والنبات، والمعادن، والأركان، والهيولى، فصارت هذه الأشياء أسبق منه [بالمرتبة إلى الوجود]- وإن كان هو أفضل منها- لأن النفس الناطقة// صورة في النفس الحيوانية، والنفس الحيوانية صورة في النفس النباتية، والنفس النباتية صورة في المعادن، والمعادن صورة في الأركان الأربعة، والأركان الأربعة صورة في الهيولى، فلما كانت هذه الأشياء كلها قبله في رتبة الوجود وكان لا سبيل له إلى أن يعقل السبب الأول حتى يعقل ما بينه وبين الموجودات، احتاج إلى أن يعقل ما دونه كما احتاج إلى أن يعقل ما فوقه، ولما كانت الموجودات الفائضة من السبب [الأول] شكلها شكل دائرة آخرها الإنسان- كما ذكرنا في الباب الأول- احتاج الإنسان إذا سلك