فذكر فضلها ثم قال:«وهذا ليس لنا في عالمنا هذا، بل لو عسى أنا في العوالم العالية إذا نحن تهذبنا فجزنا الأفلاك السبعة وحركاتها بتطلعنا، وجزنا عالم النفس بتهذيبنا حتى نحل في عالم العقل الذي لا تخفى عليه خافية، ولا تحوزه صورة، وليس فيه زمان ولا مكان ولا حركة ولا كيفية ولا هيولى، بل الأشياء فيه حقائق مجردة مكشوفة، ليس فيه قوة بل الصورة فيه ثابتة راجعة على نفسها وغيرها لما فيه من مطالعة الباري -عز وجل- لها».
وقال في موضع آخر:«وهو ينفي عن نفسه أن يتوهم عليه القول بأزلية العالم وإنما نريد// بقولنا إن العالم لم يزل أن العوالم قد كانت مصورات عند الباري- عز وجل- متمثلات بالقوة قبل كونها، وذلك أن الباري- تعالى- لم يزل متطلعًا إليها ناظرًا، إلى ذاته عارفًا بوحدانيته، فترداده على ذاته بالمعرفة هو عالم العقل المطابق له فيه الصور محضة»، وهذا الكلام- وإن كان فيه ما يحتاج إلى التعقب- فقد صح منه أن مذهبه أن الباري- جل جلاله- عالم بالأشياء قبل كونها بخلاف ما يتوهم عليه.
ومما يدل على ذلك أيضًا من مذهبه قوله في النواميس: «ما من شيء أعون على صلاح أمر كل واحد من الناس وأمر جماعتهم من أن يعلموا ويعتقدوا ثلاثة