للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

استحال] أن يوصف بأنه يعلم// الأشياء؛ لأن العلم بالأشياء يحتاج فيه إلى إدراك الحواس وتقديم المقدمات التي بها يتوصل إلى معرفة الكليات من الجزئيات، وفيه كمال العالم، ويحتاج فيه إلى تصور وتخيل، والباري -سبحانه- جل عن أن يوصف بأنه يتصور شيئًا أو يتخيله، أو أنه ذو حواس يتوصل بها إلى معرفة شيء أو يحتاج إلى مقدمات، وأن غيره يفيده كمالاً في ذاته، بل هو مفيد الكمال لكل كامل على مقدار مرتبته، وهو غني عن غيره، وغيره مفتقر إليه، ففي وصفنا له بأنه يعلم غيره نقص له لا كمال».

جوابنا عن هذا هو أن نقول لهم: هل تزعمون أن الباري- تعالى- يشبه البشر في ذاته وصفاته، أم هو مخالف لهم؟ فإن زعموا أنه مشبه لهم بالذات والصفات أو في بعض ذلك لزم أن يلحقه من النقص ما يلحق البشر، وأن يلزمه من الحدوث ما يلزم سائر الأشياء، وإن قالوا إنه مخالف للبشر لا يشبه شيئًا ولا يشبهه شيء، قلنا لهم: من أين قستم علمه على علمكم وأوجبتم أنه إن كان عالمًا لزم أن يعلم باستنباط ومقدمات، واحتاج إلى حواس؟ وما تنكرون من أن يكون يعلم الأشياء بنوع آخر من العلم لا يكيف ولا يشبه علم البشر، وما الذي تبطلون به؟ هذا فإن قالوا: لا يعقل علم إلا بهذه الطرق لزمهم تشبيه الباري- تعالى- بمخلوقاته، وقلنا لهم: من أين زعمتم أنه عالم وأنه علم وأنه معلوم شيء واحد لا تغاير فيه؟ وكذلك أنه عاقل وأنه عقل وأنه معقول شيء واحد من صفاته، وهذا أمر غير معقول فيما نعهده من

<<  <   >  >>