للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الصفات بما زعمتموه دليلًا عقليًا وَأَوَّلْتُم دليله السمعي، فلماذا تحرمون علينا نفي ما نفيناه بما نراه دليلًا عقليًا، ونأوِّل دليله السمعي؟! فلنا عقول كما أن لكم عقولًا، فإن كانت عقولنا خاطئة فكيف كانت عقولكم صائبة؟!، وإن كانت عقولكم صائبة فكيف كانت عقولنا خاطئة؟! وليس لكم حجة في الإنكار علينا سوى مجرد التحكم واتباع الهوى.

وهذه حجة دامغة وإلزام صحيح من الجهمية والمعتزلة للأشعرية والماتريدية، ولا مدفع لذلك ولا محيص عنه إلا بالرجوع لمذهب السلف الذين يطردون هذا الباب، ويثبتون لله - تعالى - من الأسماء والصفات ما أثبته لنفسه في كتابه أو على لسان رسوله - صلى الله عليه وسلم - إثباتًا لا تمثيل فيه ولا تكييف، وتنزيهًا لا تعطيل فيه ولا تحريف " وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُوراً فَمَا لَهُ مِنْ نُورٍ " [النور: ٤٠].

تنبيه: عُلِمَ مما سبق؛ أن كل معطل ممثل، وكل ممثل معطل.

أما تعطيل المعطل فظاهر، وأما تمثيله فلأنه إنما عطل لاعتقاده أن إثبات الصفات يستلزم التشبيهَ فَمَثَّلَ أولًا، وعَطَّلَ ثانيًا، كما أنه بتعطيله مثله بالناقص (١).


(١) قال ابن القيم في الداء والدواء (ص ٣٣٠): فإنَّ المشركَ المقرَّ بصفاتِ الرب خيرٌ من المعطل الجاحد لصفات كماله؛ كما أنَّ مَنْ أقرَّ لِمَلِكٍ بالمُلْك، ولم يجحد مُلكه، ولا الصفات التي استحقّ بها الملك، لكن جَعَلَ معه شريكًا في بعض الأمور يُقرِّبُهُ إليه = خيرٌ ممن جحد صفات المِلك وما يكون به مَلَكًا.
هذا أمرٌ مسقر في سائر الفِطَر والعقول؛ فأين القدح في صفات الكمال والجحدُ لها، من عبادة واسطةٍ بين المعبود الحقّ وبين العابد يتقرَّب إليه بعبادة تلك الواسطة إعظامًا له وإجلالًا؟ فداء التعطيل هو الداء العضال الذي لا دواء له.

<<  <   >  >>