ولا ريب أن القول الأول ليس ظاهر الكلام؛ بل ولا يقتضيه الكلام لمن تدبر الحديث، فإن في الحديث ما يمنعه من وجهين:
الوجه الأول: أن الله - تعالى - قال:" وما يزال عبدي يتقرب إليّ بالنوافل حتى أحبه "، وقال:" ولئن سألني لأعطينه، ولئن استعاذني لأعيذنه ". فأثبت عبدًا ومعبودًا، ومتقربًا ومتقربًا إليه، ومحبًا ومحبوبًا، وسائلًا ومسئولًا، ومعطيًا ومعطى، ومستعيذًا ومستعاذًا به، ومعيذًا ومعاذًا؛ فسياق الحديث يدل على اثنين متباينين كل واحد منهما غير الآخر، وهذا يمنع أن يكون أحدهما وصفًا في الآخر أو جزءًا من أجزائه.
الوجه الثاني: أن سمع الولي وبصره ويده ورجله كلها أوصاف أو أجزاء في مخلوق حادث بعد أن لم يكن، ولا يمكن لأي عاقل أن يفهم أن الخالق الأول الذي ليس قبله شيء يكون سمعًا وبصرًا ويدًا ورجلًا لمخلوق؛ بل إن هذا المعنى تشمئز منه النفس أن تتصوره، ويحسر اللسان أن ينطق به ولو على سبيل الفرض والتقدير، فكيف يسوغ أن يقال: إنه ظاهر الحديث القدسي؟! وأنه قد صرف عن هذا الظاهر، سبحانك اللهم وبحمدك لا نحصي ثناءً عليك أنت كما أثنيت على نفسك.
وإذا تبين بطلان القول الأول وامتناعه = تعينَ القول الثاني، وهو أن الله - تعالى - يسدد هذا الولي في سمعه وبصره وعمله؛ بحيث يكون إدراكه بسمعه وبصره، وعمله بيده ورجله كله لله - تعالى - إخلاصًا، وبالله - تعالى - استعانةً، وفي الله - تعالى - شرعًا واتباعًا، فيتم له بذلك كمال الإخلاص والاستعانة والمتابعة، وهذا غاية التوفيق؛ وهذا ما فسره به السلف، وهو تفسير مطابق لظاهر اللفظ موافق لحقيقته متعين بسياقه، وليس فيه تأويل ولا صرف للكلام عن ظاهره؛ ولله الحمد والمنة.