للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الثاني: أنه لو كان المراد أن الله - تعالى - خلق هذه الأنعام بيده لكان لفظ الآية: خلقنا لهم بأيدينا أنعامًا؛ كما قال الله - تعالى - في آدم: " مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيّ " [ص: ٧٥]؛ لأن القرآن نزل بالبيان لا بالتعمية؛ لقوله تعالى: " وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَاناً لِكُلِّ شَيْء " [النحل: ٨٩].

وإذا ظهر بطلان القول الأول تعين أن يكون الصواب هو القول الثاني؛ وهو: أن ظاهر اللفظ أن الله - تعالى - خلق الأنعام كما خلق غيرها ولم يخلقها بيده، لكن إضافة العمل إلى اليد كإضافته إلى النفس بمقتضى اللغة العربية، بخلاف ما إذا أضيف إلى النفس وَعُدِّيَ بالباء إلى اليد، فتنبه للفرق؛ فإن التنبه للفروق بين المتشابهات من أجود أنواع العلم، وبه يزول كثيرٌ من الإشكالات.

التعليق

هذه المسألة ذكرها ابن تيمية في التدمرية في القاعدة الثالثة من القواعد النافعة (١) , ذكر أن من أغلاط بعض الناس جعل اللفظ نظيرًا لما ليس مثله، كما قالوا في قوله تعالى: " ما منعك أن تسجد لما خلقت بيدي " [ص: ٧٥] إنها نظير لقوله تعالى: " أولم يروا أنا خلقنا لهم مما عملت أيدينا " [يس: ٧١]، فجعل الآيتين كلاهما من قبيل واحد , ومن يقول ذلك يريد أن يتوصل إلى أن قوله تعالى: " ما منعك أن تسجد لما خلقت بيدي " [ص: ٧٥] مثل: " أولم يروا أنا خلقنا لهم مما عملت أيدينا " [يس: ٧١] لا تدل على المباشرة باليدين أو وقوع الفعل باليدين , وإنما تدل على أنه خلق


(١) التدمرية (ص ٢٢١)، وانظر شرحها في: شرح الرسالة التدمرية (٢٢٢ - ٢٢٦).

<<  <   >  >>