بإسلام أو نشأ ببادية بعيدة، ومثل هذا لا يكفر بجحد ما يجحده حتى تقوم عليه الحجة، وقد يكون الرجل لم يسمع تلك النصوص، أو سمعها ولم تثبت عنده، أو عارضها عنده معارض آخر أوجب تأويلها وإن كان مخطئًا.
وكنت دائمًا أَذْكُرُ الحديث الذي في الصحيحين في الرجل الذي قال:" إذا أنا مِتُّ فأحرقوني، ثم اسحقوني، ثم ذُرُّوْنِي في اليَمِّ، فوالله لئن قدر الله عليَّ ليعذبني عذابًا ما عذبه أحدًا من العالمين! ففعلوا به ذلك فقال الله: ما حملك على ما فعلت؟ قال: خشيتك! فغفر له "(١).
فهذا رجل شَكَّ في قدرة الله وفي إعادته إذا ذُرِّيَ؛ بل اعتقد أنه لا يُعَاد، وهذا كفر باتفاق المسلمين، لكن كان جاهلًا لا يعلم ذلك، وكان مؤمنًا يخاف الله أَنْ يعاقبه فغفر له بذلك.
والمتأول من أهل الاجتهاد الحريص على متابعة الرسول - صلى الله عليه وسلم - أولى بالمغفرة من مثل هذا). اهـ.
وبهذا عُلِمَ الفرقُ بين القول والقائل، وبين الفعل والفاعل؛ فليس كل قولٍ أو فعلٍ يكون فسقًا أو كفرًا يحكم على قائله أو فاعله بذلك.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - (ص ١٦٥ / جـ ٣٥ من مجموع الفتاوى): (وأصل ذلك: أَنَّ المقالةَ التي هي كفر بالكتاب والسنة والإجماع، يقال هي كفر قولًا يطلق كما دلت على ذلك الدلائل
(١) أخرجه البخاري (٣٤٧٨)، ومسلم (٢٧٥٦، ٢٧٥٧) من حديث أبي سعيد - رضي الله عنه -، وأخرجه مسلم (٢٧٤٧) من حديث أنس - رضي الله عنه -.