وفي مسألتنا هذه وقع التعارض بين مفسدة أخذ العضو الحي أو الميت وبحصول بعض الألم للأول، والتشوه في جثة الثاني، وبين مفسدة هلاك الحي المتبرع له، ولا شك أن مفسدة هلاك الحي المتبرع له المريض أعظم من المفسدة الواقعة على الشخص المتبرع حياً كان أو ميتاً فتقدم حينئذٍ لأنها أعظم ضرراً وأشد خطراً.
٥- أن الأحكام تتغير بتغير الأزمان:
وجه الدلالة: أن نقل الأعضاء الآدمية كان قبل ترقي الطب يعتبر ضرراً وخطراً، والآن بعد تقدم الطب أصبح سهلاً مأمون العاقبة بالتجربة فوجب تغيير الحكم بتغير الحال فنقول هو حرام حينما كان في العصور السابقة التي يغلب على الظن فيها الهلاك بعملية النقل، ويعتبر حلالاً في هذه العصور الحديثة التي أصبح فيها دواء وعلاجاً نافعاً. فقد قال ابن حزم: لا يجوز شق البطن الحي لأن في ذلك قتله وهذا بالنظر إلى عصره (رحمه الله) .
٦- الأمور بمقاصدها:
وجه الدلالة: أن هذه القاعدة دلت على أن الأعمال معتبرة على حسب النيات والمقاصد وعليه فإن نقل الأعضاء الآدمية يختلف حكمه بحسب اخلاف المقصود منه، فإن كان المقصود به انقاذ النفس المحرمة ودفع الضرر الأشد بالأخف فإنه يكون مقصداً محموداً وعملاً مشروعاً يثاب فاعله ويمدح عليه، وهذا هو مقصودنا بالقول بجوازه.
... وأما إن كان المقصود به إهانة الميت وأذيته بالتمثيل به فهذا مقصد مذموم وعمل محرم ونحن لا نقول به.
٤-استشهادهم بأقوال الفقهاء المتقدمين رحمهم الله:
فقد ذهب الكاساني (رحمه الله) إلى أن عصمة النفس لا تحتمل الإباحة في الجملة بحال.. بخلاف الأطراف لأن عصمة الطرف تحتمل الإباحة في الجملة فجاز أن يؤثر الأمر فيها.. فلو قال له: اقطع يدي فقطع فلا شيء عليه (أي القاطع) بالإجماع لأن الأطراف يسلك بها مسلك الأموال وعصمة الأموال تثبت حقاً له فكانت محتملة للسقوط بالإباحة والإذن كما لو قال له: اتلف مالي فأتلفه.