للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ج: ص:  >  >>

٥- - توضيح الأحكام، للشيخ: عبد الله البسام (١)


(١) - ومن النوازل في العبادات أيضاً: معرفة أوقات الصلوات في الأماكن التي لا تغيب فيها الشمس أو لا تطلع لمدةٍ طويلة كستة أشهر، مثلاً ففي مثل هذه الحال إذا لم يكن الشفقان (شفق الغروب والشروق) يتمايزان فلا يتميز الليل والنهار في خلال أربعةٍ وعشرين ساعة فإنه يقدر الوقت بالنظر لأقرب البلدان إليها (وقال بعضهم بالنسبة لمكة والمدينة والأول أصح) ودليل التقدير القياس على ما ورد في حديث النواس بن سمعان (رضي الله عنه) الذي ذكر فيه الدجال، وفيه: قالوا: يا رسول الله:: مالبثه في الأرض؟ قال: أربعون يوماً: يومٌ كسنة، ويوم كشهر، ويومٌ كجمعة، وسائر أيامه كأيامكم قالوا: يا رسول الله فذاك اليوم كسنة، أتكفينا فيه صلاة يوم؟ قال: لا، اقدروا له قدره. فكذلك الحال هنا، وبالنسبة للصيام كذلك. وأما إذا لم يزد مجموع الليل والنهار عن أربعٍ وعشرين ساعة فيبقى الحال على الأصل ولو طال النهار عملاً بأحاديث التوقيت.
المراجع: قرارات مجلس المجمع الفقهي الإسلامي ص٨٩.
مجلة البحوث الفقهية المعاصرة ١/٢٢٢.
ومن النوازل في الصيام: بعض المواد المختلف في تفطيرها للصائم كبخاخ الربو فقد قيل لا يفطر لأنه يصل للرئتين، وقيل: يفطر لأن به بعض المواد التي تصل للمعدة. وانظر مجلة الحكمة عدد١٤ ص٩٧.
وانظر في علاج الأسنان في نهار رمضان مجلة البحوث الإسلامية ٥٨/١١٣.

ومن النوازل في الحج: الطواف والسعي ورمي الجمار من الطابق العلوي، وقد ذكرت مسألة الطواف في مواهب الجليل ٣/٧٥ عند ذكره لاشتراط الطواف داخل المسجد حيث قال: ومثله والله أعلم من طاف على سطح المسجد، وهذا ظاهر ولم أره منصوصاً وصرح الشافعية والحنفية بأنه يجوز الطواف على سطح المسجد ولم يتعرض لذلك الحنابلة والله أعلم أ. هـ. ودليل الجواز أن الهواء له حكم القرار وقياساً على الصلاة على سطح المسجد فإنه يجوز لكن بشرط ألا يخلو الأسفل من المصلين. وانظر: مجلة البحوث الإسلامية ١/١٨٢.
ومنها: إذا ضاقت منى عن الحجاج كما يحدث في هذه الأزمان لكثرة الحجاج بسبب سهولة السفر، فقيل: يسقط عنه المبيت لأن الواجب المبيت في منى فلو بات خارجها لم يجزه فيسقط عند العذر للعجز عنه وهذا القول للشيخ/ عبد العزيز بن باز (رحمه الله) . وقيل: بل يبيت بالقرب من منى إلى أقرب خيمة، ولا بأس بذلك إذا اتصلت الخيام قياساً على الصلاة خارج المسجد إذا اتصلت الصفوف وقال به الشيخ/ محمد بن عثيمين (رحمه الله) .
ومن النوازل في الجهاد: العمليات الفدائية، أو الانتحارية، أو الاستشهادية، وإنما اختلف في تسميتها بحسب النظرة لها.
وصورتها: أن يقوم شخصٌ بتفجير نفسه وسط الأعداء فيحدث ذلك ضرراً فيهم ولكنه يكون هو أيضاً من جملة القتلى، وقد يقود سيارة ممتلئة بالمتفجرات فيصطدم بالأعداء ونحو ذلك.
الحكم الشرعي: قال أكثر العلماء المعاصرين بجوازها إذا ترتب عليها مصلحة كبيرة للإسلام والمسلمين، وممن قال بالجواز الشيخ/ عبد الله بن حميد -رحمه الله-، والشيخ/ عبد الله بن منيع، والشيخ الدكتور/ وهبة الزحيلي، والشيخ الدكتور/ يوسف القرضاوي، وبه صدرت الفتوى من مجموعة من علماء الأردن، ومن الأدلة على الجواز ما يلي:
١- قوله تعالى (إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة، يقاتلون في سبيل الله فيقتلون ويقتلون) الآية. ووجه الدلالة: أن الله اشترى من العباد إتلاف أنفسهم وأموالهم في طاعته، وهلاكها في مرضاته.
٢- قصة الغلام الذي دل الملِك على كيفية قتله بأن يقول: باسم الله رب الغلام، وهذا بيانٌ منه للصفة التي تؤدي إلى قتله ولكنه من أجل الدين فجاز قال ابن تيمية: إن الغلام أمر بقتل نفسه من أجل مصحة الدين أ. هـ وكونه لم يباشر القتل بنفسه لا يؤثر فالمباشرة لا أثر لها في تغيير الحكم.
٣- حديث أبي هريرة (رضي الله عنه) : من خير معاش الناس رجلٌ ممسكٌ بعنان فرسه كلما سمع هيعةً أو فزعةً طار إليها يبتغي الموت من مظانه رواه مسلم. فهذه العمليات المراد بها: طلب الشهادة والنكاية بالعدو فهي جائزة. وإنما يحرم قتل النفس وإلقاؤها في التهلكة لا لغرضٍ شرعي.
٤- القياس على الانغماس في العدو الجائز، ومما يدل على جوازه " فعل البراء بن مالك (رضي الله عنه) في حرب المرتدين حيث طلب من الصحابة أن يضعوه في ترس فيلقوه على الأعداء مع أنه يغلب على الظن الهلاك بمثل هذا العمل". وأيضاَ إنكار أبي أيوب (رضي الله عنه) على من عابوا على من ألقى بنفسه وسط الأعداء، واحتجوا بقوله تعالى (وأنفقوا في سبيل الله ولا تلقوا بأيديكم للتهلكة) فرد عليهم وذكر أنها نزلت في الصحابة لما قال بعضهم: هلم نقيم في أموالنا ونصلحها وندع الجهاد. وأيضاً قصة عمير بن الحمام –رضي الله عنه- قال النووي تعليقاً على الحديث: فيه جواز الانغمار في الكفار والتعرض للشهادة، وهو جائزٌ بلا كراهة عند جماهير العلماء. وقال الأبي: حمل الواحد على الجماعة وإن علم أنه يقتل في حملته أجازه عمر وأبو هريرة وفعله كثيرٌ من السلف، وليس من الإلقاء باليد إلى التهلكة، وتلو في ذلك (ومن الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضاة الله) قال محمد بن الحسن: يجوز، حتى لو حمل واحد على ألف إذا طمع الفجأة، أو نكاية، أو يقتدي به غيره، أو يرهب العدو مما يريهم من صلابة المسلمين في دينهم، وإلا فهو مكروه) . وذكر ابن حجر من الفوائد في قصة أنس بن النضر: (جواز بذل النفس في الجهاد،..وأن طلب الشهادة في الجهاد لا يتناوله النهي عن الإلقاء إلى التهلكة) .
وأما التفريق بكون العمليات الاستشهادية الموت فيها محقق بخلاف الانغماس في العدو فيجاب بأن غلبة الظن تنزل منزلة اليقين، فقد جاء في القواعد للمقري قوله: قاعدة: المشهور من مذهب مالك أن الغالب مساوٍ للمحقق في الحكم. وقال الشاطبي في الاعتصام ٢/١٤: الحكم بغلبة الظن أصل الأحكام.
واشترط الشيخ/ محمد ناصر الدين الألباني –رحمه الله- للجواز وجود الأمير والجيش والحكم الإسلامي، ليكون ذلك أنكى للعدو ولاختيار الوقت المناسب، ولئلا يعود أثرها بالضرر على الأمة.
وأما الشيخ/ محمد بن صالح بن عثيمين –رحمه الله- فقال كما في اللقاء الشهري ص٧٤: هذا الشاب الذي وضع على نفسه اللباس الذي يقتل أول ما يقتل نفسه، فلا شك انه هو الذي تسبب في قتل نفسه، ولا يجوز مثل هذه الحال إلا إذا كان في ذلك مصلحة كبيرة، ونفع عظيم للإسلام كان ذلك جائزاً. وفي شرحه لرياض الصالحين ١/١٦٥ ذكر أنه من قتل النفس المحرم وفاعله ليس بشهيد، لأنه لم ينتفع بذلك الإسلام بل ربما يتعنت العدو أكثر ويوغر صدره هذا العمل فيفتك بالمسلمين، وإن كان إذا فعله متأولاً نرجو أن يسلم من الإثم.
وقال الدكتور/ محمد خليل هيكل بجوازها عند الضرورة فقط قياساً على ما إذا تترس العدو بالمسلمين، والله أعلم.
المراجع:
١- تفسير القرطبي للآية (١٩٥) من سورة البقرة.
٢- مشارع الأشواق إلى مصارع العشاق، لابن النحاس.
٣- العمليات الاستشهادية في الميزان الفقهي، لنواف هايل التكروري ط٢/١٤١٨هـ.
٤- العمليات الاستشهادية وآراء الفقهاء فيها لمحمد سعيد غيبة الناشر دار المكتبي دمشق ١٤١٧هـ.
٥- أحكام الشهيد في الفقه الإسلامي، رسالة ماجستير لعبد الرحمن بن غرمان العمري.

<<  <  ج: ص:  >  >>