.. أن المصلحة المترتبة على تشريح جثث الموتى لغرض التعليم تعتبر مصلحة عامة راجعة إلى الجماعة، وذلك لما يترتب عليها من تعلم التداوي الذي يمكن بواسطته دفع ضرر الأسقام والأمراض عن المجتمع وحصول السلامة بإذن الله تعالى لأفراده فهذه مصلحةٌ مرسلة شهدت لها النصوص. ومصلحة الامتناع من التشريح تعتبر مصلحة خاصة متعلقة بالميت وحده، وبناء على ذلك فإنه تعارضت عندنا المصلحتان، ولا شك في أن أقواهما المصلحة العامة المتعلقة بالجماعة والتي تتمثل في التشريح فوجب تقديمها على المصلحة الفردية المرجوحة، تقديماً لمصلحة الأمة لكونها كليةً عامةً وقطعيةً، فالتشريح الطبي جائزٌ لأن فيه مصلحة حفظ النفوس فالمفاسد مغمورة في جانب المصالح.
ومما يدل على الجواز أن الشرع جاء بتحصيل المصالح وتكثيرها، وبدرء المفاسد وتقليلها، وبارتكاب أدنى الضررين لتفويت أشدهما، وأما إذا تعارضت المصالح فيؤخذ بأرجحها.
ومن القواعد: الضرر الأشد يزال بالضرر الأخف، والحاجة تنزل منزلة الضرورة والضرورات تبيح المحظورات. وقد رمى الرسول (صلى الله عليه وسلم) الكفار بالمنجنيق وفيهم النساء والصبيان (١) .
٢- إن من قواعد الشرع ((ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب)) .
وتعلم الجراحة الطبية وغيرها من فروع الطب هو في سد حاجة الأمة إلى هذه العلوم النافعة، وتحقيق هذا الواجب متوقف على التشريح الذي يمكن بواسطته فهم الأطباء للعلوم النظرية تطبيقياً، فيعتبر مشروعاً وواجباً من هذا الوجه.
وأجيب بأن الحاجة إلى التشريح يمكن سدها بجثث الكفار، فلا يجوز العدول عنها إلى جثث المسلمين، لعظيم حرمة المسلم عند الله تعالى حياً كان أو ميتاً.
شروط الجواز:
١ ـ التحقق من موت الإنسان الذي سيجرى التشريح على جثته.
(١) - (رواه الترمذي في كتاب الأدب (٢٧٦٢) وقال: حديث غريب وقال الشيخ الألباني: موضوع ورواه أيضاً البيهقي في السير.