.. قلت: لا شك أن المريض المتأخر في مسألتنا فيه ضرر فضرره يزال لكن بإزالة ضرره يلحق الآخرين الضرر، وإنما يزال الضرر بدون إضرار. لكن قد يستثنى من هذه القاعدة ما لو كان أحدهما أعظم ضرراً فيزال الضرر الأعظم ولو ترتب على إزالته ضررٌ أقل منه إلا أن هذا يستقيم فيما لو كان ذلك في شخصٍ واحد فيزال الأعظم ولو ترتب ضرر أصغر كما في اليد المتآكلة، أما أن يزال ضرر شخص على حساب شخص آخر فهذا غير مستقيم لتعارضه مع قاعدة "درء المفاسد أولى من جلب المصالح"
ثانياً: أنه يغلب على الظن موت من يتم رفع الأجهزة عنه ويندر أن يسلم ومثل هذا لا يجوز الإقدام عليه لغلبة الظن أن هذا المريض يموت عند نزع هذه الأجهزة عنه. قال العز بن عبد السلام ج١/٨٥:" القسم الثاني ما يغلب ترتب مسببه عليه وقد ينفك عنه نادرا فهذا أيضاً لا يجوز الإقدام عليه؛ لأن الشرع أقام الظن مقام العلم في أكبر الأحوال".
ثالثاً: أن نزع الأجهزة عن الأول مفسدة عظيمة وهي القتل، وقد قال العلماء: لو أُكره على القتل فيصبر ولا يقدم على القتل لعظم مفسدته فكذلك هنا، لأن الإقدام على نزع الأجهزة عن الأول إقدامٌ على القتل. قال العز بن عبد السلام ١/٧٩: " ولاجتماع المفاسد أمثلة أحدها أن يكره على قتل مسلم بحيث لو امتنع منه قُتل فيلزمه أن يدرأ مفسدة القتل بالصبر على القتل؛ لأن صبره على القتل أقل مفسدة من إقدامه عليه، وإن قدر على دفع المكره بسبب من الأسباب لزمه ذلك لقدرته على درء المفسدة، وإنما قدم درء القتل بالصبر لاجتماع العلماء على تحريم القتل واختلافهم في الاستسلام للقتل، فوجب تقديم درء المفسدة المجمع على وجوب درئها على درء المفسدة المختلف في وجوب درئها.