للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

همَّ عبد الله بن عضيب الناصري النجدي الحنبلي (ت ١١٦١ هـ) بالخروج من عُنيزة لسبب اقتضى ذلك، قال له أميرها: (كُنَّا أمواتًا فأحيانا الله بك، ونحن محتاجون لعلمك وتعليمك، فكيف تفارقنا؟) (١).

ولأجل هذا المعنى رأينا طوائف من أهل الضلال ممن قصدوا إلى اختلال أمور المسلمين يعمدون إلى فقهائهم وعلمائهم، فينالونهم بالأذى والقتل والتشريد، كما جرى من العبيديين لما ظهروا في بلاد المغرب فقتلوا ما لا يحصى من العلماء والفقهاء، ثم كانت تلك عادتهم في البلدان التي يتغلبون عليها، قال القاضي أبو بكر الباقلاني (ت ٤٠٣ هـ) عن رئيسهم الباطني عبيد الله المتسمِّي بالمهدي (ت ٣٢٢ هـ): (وكان باطنيًّا خبيثًا، حريصًا على إزالة ملة الإسلام. أعدم العلماء والفقهاء ليتمكن من إغواء الخلق) (٢)، وقال فيه أبو شامة (ت ٦٦٥ هـ): (وكان زنديقًا خبيثًا عدوًّا للإسلام، متظاهرًا بالتشيع متسترًا به، حريصًا على إزالة الملة الإسلامية، قتل من الفقهاء والمحدثين والصالحين جماعة كثيرة، وكان قصده إعدامهم من الوجود) (٣)، وقال: (وكان يرسل إلى الفقهاء والعلماء فيذبحون في فرشهم) (٤)، بل ذكر أبو الحسن القابسي (ت ٤٠٣ هـ) أن عبيد الله هذا وبنيه من بعده قتلوا في المهدية أربعة آلاف في


(١) السحب الوابلة، ابن حميد (٢/ ٦٠٦).
(٢) تاريخ الإسلام، الذهبي (٢٤/ ٢٣).
(٣) كتاب الروضتين (٢/ ٢١٥).
(٤) كتاب الروضتين (٢/ ٢١٨)، وبالمقابل فانظر صنيع الملك الناصر صلاح الدين لما أراد استرجاع البلاد المصرية من العبيديين، وكيف توسل إلى ذلك بالتدرج؛ لأن (هذا الأمر إن لم يؤخذ على التدريج وإلا فسدت أحواله) كما اعتذر بذلك الملك الناصر لما استعجله نور الدين بقطع الخطبة للعبيديين وإقامتها للعباسيين، ثم انظر كيف قطع دابر مذهبهم ببناء المدارس في مصر والشام، وتعيين القضاة والخطباء من أهل السُّنة، حتى استوثق أمر السُّنَّة في تلك البلاد، وغدا ما أكره العبيديون عليه الناس من الباطل كأمس الذاهب، قال ابن شداد (ت ٦٣٢ هـ): (هذا كله وهو وزير متابع للقوم، لكنه مقوِّ لمذهب السُّنَّة، غارسٌ في أهل البلاد العلمَ والفقه والتصوف والدين) النوادر السلطانية والمحاسن اليوسفية (٨١)، وراجع في ذلك: ((كتاب الروضتين)) لأبي شامة المقدسي، و ((التاريخ الباهر في الدولة الأتابكية)) لعز الدين بن الأثير، و ((الحياة العلمية في دمشق في العصر الأيوبي)) لناصر الحازمي، و ((المدارس في بيت المقدس في العصرين الأيوبي والمملوكي)) للدكتور عبد الجليل حسن، و ((المدارس الأيوبية في حلب والقاهرة)) للدكتور وليد الأخرس، و ((التعليم في مصر زمن الأيوبيين والمماليك)) للدكتور عبد الغني عبد العاطي، و ((الحياة الفكرية في مصر خلال العصر الأيوبي)) للدكتور شوكت الأتروشي.

<<  <   >  >>