للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

قال أبو شامة (ت ٦٦٥ هـ): (أظن هذه الأبيات نظمها في أيام محنته إذ كان محبوسًا بواسط، فمعانيها دالة على ذلك).

ولما مات الموفق بن قدامة (ت ٦٢٠ هـ) رثاه موسى بن خلف (ت ٦٤٣ هـ) فقال:

وتعطَّلت تلك المجالس وانقضت... تلك المحافل ليتها لو ترجع (١)

ولك أن تتصور مثلًا في نيسابور مجلسًا تدور دارته على كرسيٍّ عليه مثل أبي المعالي الجويني (ت ٤٧٨ هـ)، وبين يديه من المعيدين أبو حامد الغزالي (ت ٥٠٥ هـ) والكيا الهراسي (ت ٥٠٤ هـ) وأمثالهما، فإذا تفهمت ذلك وتأملت الأثر الذي يحدثه مثل هذا المجلس، علمت سبب اشتهار قرى صغيرة حول نيسابور لكثرة من ينتسب من الفقهاء والعلماء إليها (٢). فلقد كان هؤلاء العلماء كالغيث الذي تحيا به البلاد، وكانت الأمصار تنتظم بهم، وتختل لفقدهم، وقد قال عمر رضي الله عنه لما خرج معاذ رضي الله عنه إلى الشام: (لقد أخلَّ خروجه بالمدينة وأهلها في الفقه وما كان يفتيهم به، ولقد كنت كلمت أبا بكر رحمه الله أن يحبسه لحاجة الناس إليه، فأبى عليَّ وقال: رجل أراد وجهًا يريد الشهادة فلا أحبسه، فقلت: والله إن الرجل ليرزق الشهادة وهو على فراشه وفي بيته، عظيم الغنى عن مصره) (٣)، وقال علي رضي الله عنه في أصحاب ابن مسعود رضي الله عليه في الكوفة: (أصحاب عبد الله سرج هذه القرية) (٤). ولما زار الأمير الموفق بالله العباسي (ت ٢٧٨ هـ) الإمام الحافظ أبا داود صاحب السنن (ت ٢٧٥ هـ) بعد إخماده لفتنة الزنج، سأله الانتقال إلى البصرة بعد خرابها، وقال له: (تنتقل إلى البصرة فتتخذها وطنًا؛ ليرحل إليك طلبة العلم من أقطار الأرض فتعمر بك، فإنها قد خربت وانقطع عنها الناس لما جرى من محنة الزنج) (٥). ولما


(١) الذيل على الروضتين (٢٥)، وانظر: الذيل على طبقات الحنابلة، ابن رجب (٢/ ٥٠٧).
(٢) انظر: الذيل على طبقات الحنابلة، ابن رجب (٣/ ٣٠١).
(٣) انظر: وفيات الأعيان، ابن خلكان (٣/ ٢٨٦).
(٤) الطبقات الكبرى، ابن سعد (٢/ ٣٤٨).
(٥) الطبقات الكبرى، ابن سعد (٦/ ١٠).

<<  <   >  >>