للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

ركبتيه، وكان شريح يقول إنه الزوج (١).

وعلى أية حال فإن هذا مما تختلف فيه أحوال القضاة والناس والأزمنة والأمكنة، ولكن الواجب أن يعرف تحقيق الفصل بين كل مقام من هذه المقامات، فالفقيه المعلِّم والمصنِّف دأبه النظر في المسائل من حيث هي كلية دون نظر في جزئية بعينها ليفتي فيها أو يقضي فيها وهذه المرتبة هي الأصل، بخلاف المفتي والقاضي الذين ينظران في واقعة بعينها فهما مشتركان في هذا المعنى، قال البرزلي (ت ٨٤١ هـ) حاكيًا عن شيخه ابن عرفة (ت ٨٠٣ هـ): (قال شيخنا الإمام: القضاء أخص من العلم بفقهه؛ لأن متعلق فقهه كلي من حيث هو كلي، ومتعلق علمه كلي من حيث صدق كليته على جزئياته. وكذا فقه الفقيه من حيث كونه فقيهًا هو أعم من فقه الفقيه من حيث كونه مفتيًا. ولذا أخبرنا بعض شيوخنا في تدريسه عن الشيخ أبي عبد الله بن شعيب أنه كان ولي القضاء بالقيروان، ومحل تحصيله في الفقه وأصوله شهير ببلدنا، فلما جلس الخصوم إليه وفصل بينهم ودخل منزله مقبوضًا قالت زوجته: ما شأنك؟ فقال: عسر على حكم القضاء، فقالت له: قد شاهدتك بسهولة أمر الفتوى عليك، فاجعل الخصمين كمستفتيين سألاك. فاعتبرت ذلك فسهل عليَّ. قال: وإذا تأملت ذلك علمت أن حال الفقيه من حيث هو فقيه كحال عالم بكبرى قياس الشكل الأول فقط، وحال القاضي والمفتي كحال عالم بها مع علمه بصغراه، ولا خفاء أن العلم بهما أشقُّ وأخصُّ من العلم بالكبرى فقط. وأيضًا فقه القضاء والفتيا مبنيان على إعمال النظر في الصور الجزئية وإدراك ما اشتملت عليه من الأوصاف الكائنة فيها، فيلغى طردها ويعمل معتبرها) (٢).

أما بعد اعتبار هذا القدر المشترك بين المفتي والقاضي فإن القاضي بين هذين الاثنين أخصُّ نظرًا؛ (لأنه ينظر فيما ينظر فيه المفتي من الأمور الجزئية


(١) أخبار القضاة، وكيع (٢/ ٢٩٢).
(٢) فتاوى البرزلي (٤/ ٧)، مع تصحيح بعض الألفاظ من: منح الجليل، محمد عليش (٤/ ١٣٦). وانظر حكاية سحنون مع سليمان بن عمران في: ترتيب المدارك، القاضي عياض (٢/ ٨٧).

<<  <   >  >>