للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

على خديه وعلى لحيته، وهو يقول: اللَّهُمَّ إن كان مني زلة أو هفوة أو أصغيت بأذني إلى خصم دون خصم، أو مالت نفسي أو قلبي إلى خصم دون خصم، فأسألك أن تغفر لي ذلك ولا تؤاخذني ولا تنتقم مني، إنك على كل شيء قدير. ثم يصلي على محمد صلى الله عليه وسلم وينصرف. هكذا يعمل في كل مجلس. وكان يكتب على أحكامه: حكمت بقول ابن القاسم. حكمت بقول أشهب.

ويقول: في البلد علماء وفقهاء، اذهب إليهم، فما أنكروا عليك، فارجع إلي.

وكان يكتب القضية ويقول لصاحبها: أرها لكل من عنده علم بالقيروان، ثم ارجع إلي بما يقولون لك) (١). وقريب من هذا ما ذكر من حال قاضي سبتة محمد بن محمد اللخمي القرطبي (ت ٧٢٣ هـ) الذي كان من شأنه إذا أتى المسجد للحكم فيه بين الناس أن يتركَّع ويتضرع إلى الله تعالى ويلح في الدعاء، ويسأله أن يحمله على الحق ويعينه عليه ويرشده للصواب، وإذا فرغ من الحكم يتركَّع ويستقبل الله تعالى يسأله العفو والمغفرة عما عسى أن يكون صدر عنه مما تلحقه تبعة في الآخرة (٢).

وكان القاضي أبو القاسم الطرزي (ت ٣١٧ هـ) كثيرًا ما يتمثل في مجلس القضاء بهذين البيتين (٣).

إذا خان الأمير وكاتباه... وقاضي الأرض داهن في القضاء

فويل للأمير وكاتبيه... وقاضي الأرض من قاضي السماء

ولأجل هذه الهيبة كان مجلس القضاء حقيقًا أن يحاط بأسباب التفخيم والإجلال، وروي أن عمر رضي الله عنه كتب إلى أبي موسى رضي الله عنه وهو بالبصرة: (بلغني أنك تأذن للناس جمًّا غفيرًا، فإذا جاءك كتابي هذا، فأذن لأهل الشرف وأهل القرآن والتقوى والدين، فإذا أخذوا مجالسهم فأذن للعامة) (٤). وإذا حضر الخصوم المجلس سوَّى بينهم القاضي، وتكلم كلٌّ منهم بحجته على بيان


(١) ترتيب المدارك، القاضي عياض (٢/ ٣١٧).
(٢) المرقبة العليا، النباهي (١٣٤).
(٣) معالم الإيمان، الدباغ (٣/ ١٠).
(٤) أخبار القضاة، وكيع (١/ ٢٨٦).

<<  <   >  >>