للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

واحد دون أن يستأثر أحدهم بمجلس أو خطاب دون صاحبه، فلا يقدَّم شريف لشرفه ولا رئيس لرئاسته، وفي كتاب عمر رضي الله عنه إلى أبي موسى رضي الله عنه: (وآس بين الناس في وجهك ومجلسك وقضائك حتى لا يطمع شريف في حيفك ولا ييأس ضعيف من عدلك) (١)، وكان أبو هريرة رضي الله عنه في مجلسه يقضي، فجاء الحارث بن الحكم فجلس على وسادته التي يتكئ عليها، فظن أبو هريرة أنه لحاجة غير الحُكم، فجاءه رجل فجلس بين يدي أبي هريرة فقال له: مالك؟ قال: استأْدِني على الحارث، فقال أبو هريرة: قم فاجلس مع خصمك فإنها سنة أبي القاسم صلى الله عليه وسلم (٢). وجاء الأشعث بن قيس إلى شريح في مجلس القضاء، فقال: مرحبا بشيخنا وسيدنا ههنا ههنا، فأجلسه معه، فإذا رجل جالس بين يدي شريح، فقال: مالك يا عبد الله؟ قال: جئت أخاصم الأشعث بن قيس، قال: قم مع خصمك، قال: وما عليك أن تقضي وأنا ههنا؟ قال: قم قبل أن تقام. فقام وهو مغضب (٣).

ومن ذلك استحباب الفقهاء للقاضي أن يحضر مجلسه أهل العلم المشاورون من كل مذهب ليستعين بهم، وهذه المشاورة فائدتها استخراج الأدلة ومعرفة الأقوال والأقضية، وكذا ليذكِّروه وينبِّهوه ويناظروه إذا أخطأ في الرأي أو اشتبه عليه الأمر، أما الفصل في الحكم فإنما يكون باجتهاد القاضي (٤).

قال سفيان الثوري (ت ١٦١ هـ): (كانت القضاة لا تستغني أن يجلس إليهم بعض العلماء؛ يقوِّمهم إذا أخطأوا) (٥). وسئل قاضي مالقة أبو المطرِّف الشعبي (ت ٤٩٩ هـ) عن حاكم حكم على رجل بأشياء جرت على غير الحقيقة،


(١) السنن الكبرى، البيهقي، كتاب الشهادات، باب لا يحيل حكم القاضي على المقضي له والمقضي عليه ولا يجعل الحلال على واحد منهما حرامًا ولا الحرام على واحد منهما حلالًا (١٠/ ١٥٠).
(٢) أخبار القضاة، وكيع (١/ ١١٣).
(٣) أخبار القضاة، وكيع (٢/ ٢١٦)، وانظر موقفين آخرين له في (٢/ ٢٨٤) وفي (٢/ ٢٩٥).
(٤) انظر: السنن الكبرى، البيهقي (١٠/ ١١٠)، شرح كتاب أدب القاضي للخصاف، الجصاص (١٠٤)، المغني، ابن قدامة (١٤/ ٢٦ - ٢٩)، أدب القضاء، ابن أبي الدم (١/ ٣٢٧).
(٥) أخبار القضاة، وكيع (٢/ ٤١٥)

<<  <   >  >>