للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

وذكر أنه استبد فيها برأيه وأبى أن يشاور أحدًا من الفقهاء. فقال: (ق كان ينبغي لهذا الحاكم أن لا يستبد برأيه في أحكامه ويتبع سنن من مضى من حكام العدل، فقد مضت السُّنَّة قديمًا من لدن الصحابة رضي الله عنهم أنهم كانوا يشاورون في أحكامهم، وكانوا من الدين والفضل بحيث لا يجاريهم غيرهم) (١).

وقال الشعبي (ت ١٠٤ هـ): (من سرَّه أن يأخذ بالوثيقة من القضاء فليأخذ بقضاء عمر رضي الله عنه فإنه كان يستشير) (٢). وقد كان عثمان رضي الله عنه إذا جاءه الخصمان قال لأحدهما: اذهب فادع عليًّا رضي الله عنه، وللآخر: فادع طلحة بن عبيد الله والزبير وبعد الرحمن رضي الله عنهم فجاءوا فجلسوا، فقال لهما: تكلما، ثم يقبل عليهم فيقول: أشيروا علي، فإن قالوا ما يوافق رأيه أمضاه عليهما وإلا نظر، فيقومون مسلِّمين (٣). وكان شريح (ت ٧٨ هـ) يقضي بحضرة أشياخ يجالسونه على القضاء (٤). وكان قاضي البصرة عبد الرحمن بن محمد المخزومي ينظر في قضية لامرأة فاستبطأته، فقال لها: إن أمرك قد أشكل علي، ولم أقف منه على ما يحقُّ عندي حقًّا ولا يبطل عندي باطلًا، فاصبري فإن أحببت أن أذكر ذلك للأمير، فيجتمع لك فقهاء أهل البصرة فعلت، وإن أحببت كتبت إلى أمير المؤمنين فأسأل عن أمرك من عنده من فقهاء المسلمين (٥).

وكان أمير المرابطين علي بن يوسف بن تاشفين (ت ٥٣٧ هـ) إذا ولَّى أحدًا من قضاته كان فيما يعهد إليه ألا يقطع أمرًا ولا يبت حكومة في صغير من الأمور ولا كبير إلا بمحضر أربعة من الفقهاء (٦). وجاء في عهد المسترشد


(١) المعيار المعرب، الونشريسي (١٠/ ٥٨)، وانظر بقية الفتيا فيه.
(٢) السنن الكبرى، البيهقي، كتاب آداب القاضي، باب مشاورة الوالي والقاضي في الأمر (١٠/ ١٠٩).
(٣) أخبار القضاة، وكيع (١/ ١١٠)، السنن الكبرى، البيهقي (١٠/ ١١٢).
(٤) أخبار القضاة، وكيع (٢/ ٢٢٦).
(٥) أخبار القضاة، وكيع (٢/ ١٤٢). وفيه: (ولو أقف منه) ويظهر أنه خطأ في القراءة أو الطباعة.
(٦) المعجب، عبد الواحد المراكشي (٢٣٥).

<<  <   >  >>