للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

العباسي (ت ٥٢٩ هـ) إلى قاضي القضاة أبي القاسم علي بن الحسين الزينبي (ت ٥٤٣): (وأمره بمجالسة العلماء ومباحثة الفقهاء، ومناقشة ذوي البصيرة والفهم والفطنة والحزم، ومشاورتهم في عوارض الأمور المشكلة، وسوانح الأحكام المستبهمة المعضلة، حتى يصرِّح محض رأيه وآرائهم عن زبدة الصواب، وتنتج أفكارهم باستجمامها نظرًا شافيًا بالجواب، رافعًا عنه منسدل الحجاب، وإن في ذلك ثَلَجًا للصدور، واستظهارًا في الأمور، واحترازًا من دواعي الزلل واستمرار الخلل، وأمنًا من غوائل الانفراد، وحطًّا للتعويل على الاستبداد، فلربَّ ثقة أدت إلى خجل، وأمن أفضى إلى وجل، وما زالت الشورى مقرونة بالإصابة، محكمة عرى الحق وأسبابه، حارسة من عواقب الندم، داعية إلى السلامة من زلة القدم) (١).

وقد تحرَّز بعض الفقهاء من حضور المشاورين في مجلس القاضي؛ لئلا يدخل عليه الحصر أو يشتغل قلبه بهم ويحذر منهم فيكون من ذلك نقصان في فهمه وحكمه، قالوا: ويشاورهم إذا خرج من مجلس القضاء (٢). قال علي حيدر (ت ١٣٥٣ هـ) في شرحه لمجلة ((الأحكام)): (ومع أن المحاكمة تجري علنًا، إلا أن المشاورة والمذاكرة في القضية تجرى خفية، فعليه إذا كانت الدعوى التي تجري فيها المحاكمة محتاجة للمشاورة ويحتاج القاضي إلى أن يتذاكر فيها مع أهل العلم، فيذاكرهم خفية ولا يذاكرهم علنًا؛ لأن المذاكرة العلنية تزيل مهابة المجلس وتوجب اتهام الناس القاضي بالجهل، وتجري المذاكرة في ذلك إما في غرفة أخرى أو بإخراج الناس من غرفة المحاكمة) (٣).

واستشارة القضاة للفقهاء خارج مجلس القضاء باللقاء أو الكتابة كثيرة مشهورة، ولما تولى هشام بن هبيرة قضاء البصرة كتب إلى شريح (ت ٧٨ هـ):


(١) صبح الأعشى، القلقشندي (١٠/ ٢٦٧).
(٢) انظر: شرح كتاب أدب القاضي للخصاف، الجصاص (١٠٤)، تبصرة الحكام، ابن فرحون (١/ ٣٤).
(٣) درر الحكام (٤/ ٦٢٤).

<<  <   >  >>