للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

(إني استعملت على القضاء على حداثة سني وقلة علم مني به، ولا غناء بي عن مؤامرة مثلك فيه)، وكان شريح يشاور مسروقًا (ت ٦٢ هـ) وعبيدة السلماني (ت ٧٢ هـ) (١)، وكان محمد بن بشير (ت ١٩٨ هـ) إذا اختلف عليه العلماء وأشكل عليه الأمر كتب إلى مصر، إلى عبد الرحمن بن القاسم (ت ١٩١ هـ) وعبد الله بن وهب (ت ١٩٧ هـ) (٢).

وقد أفاض الفقهاء في شرح أدب القاضي وما ينبغي أن يكون عليه مجلسه من الوقار والاحتشام، وما يجب أن يكون عليه القاضي نفسه من استقرار الحال وطمأنينة النفس الداعية إلى حسن النظر في القضايا التي يحكم فيها، فيجلس وعليه السكينة بحيث لا تغلب عليه حال تشوِّش عليه في حكمه من غضب أو همٍّ أو جوع أو شبع أو وجع أو نعاس وما شابه ذلك، ولا يُتضاحك في مجلسه، ولا يُرفع الصوت بحضرته، ويمنع فيه كلُّ ما يُخلُّ بهيبة المجلس (٣).

وجرى الخلاف بين الفقهاء في مسائل كثيرة بين اعتبار مقام هيبة المجلس المانعة من اجتراء الخصوم على أحكام القضاء، وبين طرح الأسباب التي تحول بين عامة الناس والوصول إلى القاضي وخطابه بما يكون به أداء الحقوق إلى أهلها. وجماع ذلك في عامة أحوال القاضي مما هو عائد إلى حسن سياسة الناس ومراعاة أحوالهم، والتصرف فيها بما هو أكثر إقامة للقسط والعدل فيهم، وربما استحدث كلُّ قاضٍ من أسباب الرفق أو الشدة ما هو أليق بالمحل الذي هو فيه. ولما قيل لشريح (ت ٧٨ هـ): يا أبا أمية أحدثت! عندما سأل في السير، قال: أحدثتم فأحدثنا (٤). وقال إياس بن معاوية


(١) أخبار القضاة، وكيع (١/ ٢٩٩).
(٢) أخبار القضاة، وكيع (٢/ ٢٢٩) وفي (٢/ ٤٠٠).
(٣) قضاة قرطبة، الخشني (٣٥).
(٤) انظر: درر الحكام، علي حيدر (٤/ ٥٨٦)، تبصرة الحكام، ابن فرحون (١/ ٣٢)، الشرح الكبير، ابن أبي عمر (٢٨/ ٣٤٩).

<<  <   >  >>