للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

(ت ١٢٢ هـ): (قيسوا القضاء ما صلح الناس، فإذا فسدوا فاستحسنوا) (١).

ومن أمثلة ذلك كراهة بعض الأئمة للقاضي أن يتخذ حاجبًا يكون وصول المتنازعين إليه موقوفًا على إذنه. قال الماوردي (ت ٤٥٠ هـ): (وكان بعض أصحابنا يقول: إنما يكره للقاضي اتخاذ الحاجب في زمان الاستقامة وسداد أهله، فأما في زمان الاختلاط والتهارج واستطالة السفهاء والغاغة فالمستحب له أن يتخذ حاجبًا يحفظ هيبة نظره ويمنع من استطالة الخصوم) (٢). ومثل هذا يقال في اتخاذ القاضي للأعوان الذين يستعين بهم في مجلس القضاء لضبط المجلس وإحضار الخصوم ونحو ذلك. قال علاء الدين الطرابلسي (ت ٨٤٤ هـ): (فلا بد للقاضي من أعوان يكونون حوله؛ ليزجروا من ينبغي زجره من المتخاصمين، وينبغي أن يخفف منهم ما استطاع. وقد كان الحسن رضي الله عنه ينكر على القضاة اتخاذ الأعوان، فلما ولي القضاء وشوَّش عليه ما يقع من الناس عنده قال: لا بد للسلطان من وزعة) (٣).

ومن ذلك أن طوائف من القضاة كانوا يمنعون الخصوم أن يختلوا بهم في مجالس الحكم؛ لئلا تلحقهم التهمة بهم أو الميل إليهم، فكان القاضي محمد بن بشير المعافري (ت ١٩٨ هـ) لا يخاليه أحد في مجلس نظره ولا في داره، ولا يقرأ كتابًا لأحد في سبب من أسباب الخصومة (٤). وكذلك كان القاضي أحمد بن زياد اللخمي فكان شديد التهيب في قضائه، ولا يخاطب في شيء من أمر الخصوم إلا في مجلس نظره، ولا يأذن لأحد يلقاه في طريق في مواكبته ولا أن ينصرف معه، ومن ألحَّ فيما لا ينبغي من ذلك أمر بحبسه (٥).

ومثله القاضي عمرو بن عبد الله (ت ٢٧٣ هـ) الذي كان إذا قعد لا يتقرب منه خصم ولا يدنو منه أحد، وكذلك إذا ركب لايصحبه صاحب، ولا يصير إلى


(١) أخبار القضاة، وكيع (١/ ٣٤١).
(٢) أدب القاضي (١/ ٢٠١).
(٣) معين الحكام (١٨)، وانظر: شرح أدب القاضي للخصاف، الصدر الشهيد (١/ ٢٤٤).
(٤) قضاة قرطبة، الخشني (٣٠)، وانظر الحكاية التي ذكرها عنه في (٣١).
(٥) قضاة قرطبة، الخشني (٦٥).

<<  <   >  >>