للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

وكان الفقهاء يعظمون هذه المجالس بالطهارة لها والتطيب وأخذ الزينة.

قال الإمام مالك (ت ١٧٩ هـ): (ما أدركت فقهاء بلدنا إلا وهم يلبسون الثياب الحسان) (١)، وقال إسماعيل بن أبي أويس (ت ٢٢٦ هـ): سألت خالي مالكًا عن مسألة، فقال لي: قِرَّ، ثم توضأ، ثم جلس على السرير، ثم قال: لا حول ولا قوة إلا بالله. وكان لا يفتي حتى يقولها (٢). وكان البغوي (ت ٥١٦ هـ) لا يلقي الدرس إلا على طهارة (٣)، وما رويت الحديث، ولا عقدت المجلس، ولا قعدت للتدريس قط، إلا على الطهارة) (٤). وقال ابن جماعة (ت ٧٣٣ هـ): (إذا عزم على مجلس التدريس تطهر من الحدث والخبث، وتنظف وتطيب، ولبس من أحسن ثيابه اللائقة به بين أهل زمانه، قاصدًا بذلك تعظيم العلم وتبجيل الشريعة) (٥).

وما كان لهذه المجالس أن يكون لها في الناس مثل هذا التعظيم والإجلال لولا ما عاينوا من آثارها الجميلة وثمارها، فلقد كان مثلها كمثل شجرة طيبة تؤتي أكلها كل حين بإذن ربها. وإذا كان لنا أن نجمل هذه الآثار فيمكن تلخيصها في أمور ثلاثة: بث العلم ونشره، وتربية الناس وتزكية أخلاقهم الظاهرة والباطنة، وحراسة الشريعة مما ليس منها، وبيان ذلك فيما يأتي وصفه:

١ - كانت هذه المجالس مراكز لبث علم الشريعة ونشره في الناس وتجديده والتذكير به، وتعاهد تلامذته، بحيث يتصل سند آخر هذه الأمة


(١) انظر: تذكرة الحفاظ، الذهبي (١/ ١٥٦).
(٢) انظر: سير أعلام النبلاء، الذهبي (٨/ ٦٦)، وقد عقد القاضي عياض في ترتيب المدارك (١/ ١٤٤ - ١٥٦) بابًا في صفة مجلس الإمام مالك، فتكلم فيه عن طرف من جلالة مجلسه ورهبته وهيبته، وعن تعظيمه للعلم وصيانته الشديدة له، حتى إن هارون الرشيد قعد بين يديه، ثم قال له بعد مدة: (تواضعنا لعلمك فانتفعنا به).
(٣) انظر: طبقات الشافعية الكبرى، ابن السبكي (٧/ ٧٥).
(٤) انظر: طبقات الشافعية الكبرى، ابن السبكي (٤/ ٢٧٥).
(٥) تذكرة السامع والمتكلم (٦٥).

<<  <   >  >>