للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

يعب الواحد منهم أن يقول فيما لا يدريه إنه لا يدريه، ولما سئل الشعبي (ت ١٠٤ هـ) عن مسألة فقال: لا أدري، قيل له: فبأي شيء تأخذون رزق السلطان؟ فقال: لأقول فيما لا أدري لا أدري (١). قال أبو علي اليوسي (ت ١١٠٢ هـ): (وليس يزيل اسم العلم عن العالم تقصيره في الجواب عن مسألة يُسأل عنها أو أكثر، بل ولا جهله بذلك رأسًا) (٢). وربما سئل المفتي عن مسألة فأرجأ الجواب عنها حتى يتأملها. قال ابن عبد الحكم: كان مالك (ت ١٧٩ هـ) إذا سئل عن المسألة قال للسائل: انصرف حتى أنظر فيها.

فينصرف ويتردد فيها، فقلنا له في ذلك، فبكى وقال: إني أخاف أن يكون لي من المسائل يوم وأي يوم (٣).

ولما كان إلحاح المستفتين على المفتين كثيرًا تواطأت الوصية من أهل العلم بوجوب التريث، وأن ينظر المفتي في خلاص نفسه قبل خلاص غيره.

قال ابن عمر رضي الله عنه: (إنكم تستفتوننا استفتاء قوم كأنا لا نُسأل عما نفتيكم به) (٤). وقال ربيعة بن أبي عبد الرحمن (ت ١٣٦ هـ): قال لي ابن خلدة-وكان نعم القاضي-: (يا ربيعة، أراك تفتي الناس، فإذا جاءك رجل يسألك فلا يكن همك أن تخرجه مما وقع فيه، وليكن همتك أن تتخلص مما سألك عنه) (٥).

وقال ابن هرمز (ت ١٤٨ هـ): (ينبغي للعالم أن يورث جلساءه من بعده لا أدري، حتى يكون ذلك أصلًا في أيديهم يفزعون إليه، إذا سئل أحدهم عما لا يدري قال: لا أدري) (٦).

وقال ابن عون (ت ١٥١ هـ): كنت عند القاسم بن محمد (ت ١٠٧ هـ) إذ جاءه رجل فسأله عن شيء، فقال القاسم: لا أحسنه. فجعل الرجل يقول:


(١) نشوار المحاضرة، التنوخي (٤/ ٧).
(٢) رسائل اليوسي (١/ ١٤٨).
(٣) ترتيب المدارك، القاضي عياض (١/ ١٣٦).
(٤) الفقيه والمتفقه، الخطيب البغدادي (٧١٣).
(٥) الفقيه والمتفقه، الخطيب البغدادي (٧١٤).
(٦) المعرفة والتاريخ، الفسوي (١/ ٦٥٥).

<<  <   >  >>