للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

إني دفعت إليك لا أعرف غيرك. فقال القاسم: لا تنظر إلى طول لحيتي وكثرة الناس حولي، والله ما أحسنه. فقال شيخ من قريش جالس إلى جنبه: يا ابن أخي الزمها، فوالله ما رأيتك في مجلس أنبل منك اليوم. فقال القاسم: (والله لأن يقطع لساني أحب إلي من أن أتكلم بما لا علم لي به) (١). وسأل رجل عمرو بن دينار (ت ١٢٦ هـ) عن شيء فلم يجبه، فقال: إن في نفسي منها شيئًا فأجبني. فقال عمرو: (والله لأن يكون في نفسك مثل أبي قبيس أحب إلي من أن يكون في نفسي منها مثل الشعرة) (٢).

وقال عبد الرحمن بن مهدي (ت ١٩٨ هـ): جاء رجل إلى مالك بن أنس (ت ١٧٩ هـ) يسأله عن شيء أيامًا ما يجيبه، فقال: يا أبا عبد الله إني أريد الخروج، وقد طال التردد إليك. قال: فأطرق طويلًا ثم رفع رأسه فقال: (ما شاء الله، يا هذا، إني إنما أتكلم فيما أحتسب فيه الخير، ولست أحسن مسألتك هذه) (٣). وقال ابن وهب (ت ١٩٧ هـ): وسمعته-يعني: مالكًا-عندما يُكثر عليه بالسؤال يكف ويقول: حسبكم، من أكثر أخطأ (٤). والآثار في هذا المعنى كثيرة جدًّا (٥).

ولأن من المفتين من قد يضطره إلحاف المستفتين إلى سرعة الجواب كان المفتي على خطر من صنيعه ذلك. قال أبو عثمان بن الحداد (ت ٣٠٢ هـ): (القاضي أيسر مأثمًا وأقرب إلى السلامة من الفقيه؛ لأن الفقيه من شأنه إصدار ما يرد عليه من ساعته بما حضره من القول، والقاضي شأنه الأناة والتثبت، ومن تأنَّى وتثبت تهيأ له من الصواب ما لا يتهيأ لصاحب البديهة) (٦).


(١) جامع بيان العلم وفضله، ابن عبد البر (٢/ ٨٣٧).
(٢) المدخل إلى السنن الكبرى، البيهقي (٢/ ٢٧٤).
(٣) المدخل إلى السنن الكبرى، البيهقي (٢/ ٢٧٤).
(٤) ترتيب المدارك، القاضي عياض (١/ ١٤٢).
(٥) انظر: جامع بيان العلم وفضله، ابن عبد البر، باب ما يلزم العالم إذا سئل عما لا يدريه من وجوه العلم (٢/ ٨٢٦)، الفقيه والمتفقه، الخطيب البغدادي، باب ما جاء في الإحجام عن الجواب إذا خفي على المسؤول وجه الصواب (٧١٦).
(٦) جامع بيان العلم وفضله، ابن عبد البر (٢/ ١١٢٨).

<<  <   >  >>