للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

٢ - وأما حال المستفتي فعليه أن يحفظ الأدب مع المفتي وأن يُجلَّه في سؤاله وخطابه (١)، وأن يكون عارفًا بما يقول، سائلًا عما به حاجة إليه، مريدًا للجواب ليعمل به، وأن تكون لديه الأهلية لفهم الفتوى، فإن نقص شيئًا من ذلك كان للمفتي أن يُصحِّح سؤاله، أو أن يتلطف معه لصرفه إلى ما هو أصلح له، وله أن يؤدبه الأدب اللائق بمثله إذا احتاج إلى شيء من الأدب.

قال عكرمة (ت ١٠٥ هـ): قال لي ابن عباس رضي الله عنه: (انطلق فأفت الناس، فمن جاءك يسألك عما يعنيه فأفته، ومن سألك عما لا يعنيه فلا تفته، فإنك تطرح عن نفسك ثلثي مؤنة الناس) (٢). وقال حماد بن زيد (ت ١٧٩ هـ): (كان إذا سأل السائل أيوب (ت ١٣١ هـ) عن شيء، قال له: أعده. فإن جاء به كما سأل أجابه، وإلا لم يجبه) (٣). وقال ابن شبرمة (ت ١٤٤ هـ): (من المسائل مسائل لا يجوز للرجل أن يسأل عنها، ولا للمسؤول أن يجيب فيها) (٤). وقال له رجل: أسألك؟ فقال: (إن كانت مسألتك لا تُضحك الجليس ولا تُزري بالمسؤول فسل) (٥).

وسأل رجل الإمام مالك (ت ١٧٩ هـ) عن مسألة مستعدة فلم يجبه مالك، فقال الرجل: لم لا تجيبني يا أبا عبد الله؟ فقال مالك: لو سألت عما تنتفع به لأجبتك (٦). وسأله رجل عمن قال لآخر: يا حمار؟ قال: يُجلد. قال: فإن قال له: يا فرس؟ قال: تجلد أنت! ثم قال: يا ضعيف، وهل سمعت أحدًا يقول لآخر يا فرس؟ (٧). وسأل المروزي (ت ٢٧٤ هـ) الإمام أحمد (ت ٢٤١ هـ) عن شيء من أمر العدل، فقال: لا تسأل عن هذا فإنك لا تدركه (٨).


(١) انظر: أدب الفتوى، ابن الصلاح (١٥٠).
(٢) المدخل إلى السنن الكبرى، البيهقي (٢/ ٢٨١).
(٣) المعرفة والتاريخ، الفسوي (٢/ ٢٣٤).
(٤) الإبانة، ابن بطة (١/ ١٧٤)، أخبار القضاة، وكيع (٣/ ٨٨).
(٥) الآداب الشرعية، ابن مفلح (٢/ ١٧٥)، وانظر: أخبار القضاة، وكيع (١/ ٣٥٨).
(٦) ترتيب المدارك، القاضي عياض (١/ ١٤٢).
(٧) ترتيب المدارك، القاضي عياض (١/ ٢٣٨).
(٨) شرح الكوكب المنير، ابن النجار (٤/ ٥٨٦).

<<  <   >  >>