للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

أطلِّق في فتوى ابن ذئب حليلتي... وعند ابن ذئب أهله وحلائله

ويروى أن امرأة جاءت إلى فقيه فقالت: إن زوجي تزوج امرأة أخرى، فهل يجوز لي أن أتزوج زوجًا آخر؟ قال: لا. قالت: فإني قد تزوجت وجاز لي. قال: فلم تسألينني حين جاز عندك؟! (١).

٣ - وأما الفتيا فلا بدَّ أن تكون دقيقة ملاقية للسؤال حقًّا بعد التثبت من فهمه، واستعلام السائل عن مراده، واستعادة السؤال منه إن لزم، دون إيغال في استفصال يكون من شأنه تعطيل مصالح المستفتين وتأخير فتاوى الناس، بل متى غلب على ظنه حسن إدراك مراد السائل أجابه. قال ابن القيم (ت ٧٥١ هـ): (ومن تأمل أجوبة النبي صلى الله عليه وسلم رآه يستفصل حيث تدعو الحاجة إلى الاستفصال، ويتركه حيث لا يحتاج إليه، ويحيل فيه مرة على ما عُلم من شرعه ودينه من شروط الحكم وتوابعه) (٢)، وقال البهوتي (ت ١٠٥١ هـ): (ولم تزل العلماء يجيبون بحسب ما يظهر لهم من المتبادر إلى الفهم) (٣). ثم تأتي الفتيا بعد هذا مزيلة للإشكال، على وجه يناسب فهم السائل واستعداده (٤).

وهل تكون الفتيا موجزة أو مطوَّلة؟ قال بكلٍّ من أهل الفقه طائفة، فمنهم من قال: يختصر في جوابه لتفهمه العامة، ويكتفي فيه بأن يقول: يجوز أو لا يجوز، أو حق أو باطل، ولا يعدل إلى الإطالة والاحتجاج. قال أبو الحسن الماوردي (ت ٤٥٠ هـ): (ولو ساغ التجاوز إلى قليل لساغ إلى كثير، ولصار المفتي مدرِّسًا، ولكل مقام مقال). وقد كان من الفقهاء من يوجز غاية الإيجاز، كسلامة بن صدقة الحراني (ت ٦٢٧ هـ) الذي كانت أجوبته في الفتاوى غالبًا (نعم) أو (لا) (٥)، والحافظ ابن حجر (ت ٨٥٢ هـ) حيث قال فيه


(١) حدائق الأزاهر، ابن عاصم (١٥٥).
(٢) إعلام الموقعين (٦/ ٩٩).
(٣) كشاف القناع (١٥/ ٥٤).
(٤) انظر: الإحكام، القرافي (٢٣٦).
(٥) أدب الفتوى، ابن الصلاح (١٠٩)، وانظر: المجموع، النووي (١/ ٤٩).

<<  <   >  >>