للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

إبراهيم النخعي فلا يضرك ألا ترى علقمة، أشبه الناس به سمتًا وهديًا) (١).

فالعلم كالغيث الذي يصيب الأرض فيحيا به نباتها وأشجارها، فيخضر عودها، ويطيب ريحها، وتزهو ثمارها، فلا يختص بالخير منها ناحية دون غيرها، فكذلك العلم يُبذل للناس كافة. قال جعفر بن برقان: كتب إلينا عمر بن عبد العزيز (ت ١٠١ هـ): (أما بعد، مر أهل العلم والفقه من جندك، فلينشروا ما علمهم الله عز وجل في مجالسهم ومساجدهم) (٢)، فبذل العلم والتصدي لنشره والصبر على ما ينال الإنسان في سبيل ذلك من اللأواء والنصب من أعظم الوسائل إلى الله وأقربها إليه زلفى، وما أعده الله جل جلاله في دار كرامته للعلماء الذين يعلمون الناس الخير من الأجر العظيم ليس ينال بالعزلة وطول الشكاية من قلة الطلبة وانصراف الناس وفساد الزمان، بل ينال بجدٍّ في بذله يشبه الجِدَّ في طلبه، وقد قال ابن شهاب الزهري (ت ١٢٤ هـ): (ما صبر أحد على العلم صبري، ولا نشره أحد نشري) (٣)، وكان ربما خرج إلى الأعراب يفقههم (٤)، وقال البخاري (ت ٢٥٦ هـ) في صحيحه: (باب كيف يقبض العلم، وكتب عمر بن عبد العزيز إلى أبي بكر بن حزم: انظر ما كان من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم فاكتبه، فإني خفت دروس العلم وذهاب العلماء، ولا تقبل إلا حديث النبي صلى الله عليه وسمل، ولْتُفشوا العلم ولْتَجلسوا حتى يُعَلَّمَ من لا يعلم؛ فإن العلم لا يهلك حتى يكون سرًّا) (٥)، وقد تمثل عمر بن عبد العزيز ذلك فكان يرسل الفقهاء إلى الأمصار يعلمون أهلها ويفقهونهم، كما أرسل عشرة من التابعين يفقِّهون أهل إفريقية ويعلمونهم أمر دينهم وقد فشا الجهل فيهم، حتى ذُكر أن الخمر كانت حلالًا عندهم حتى جاءهم الفقهاء الذين بعثهم عمر فعرفوهم من ذلك ما كانوا يجهلون (٦). وقال فقيه الشام سعيد بن


(١) انظر: تاريخ دمشق، ابن عساكر (٤١/ ١٦٣)، سير أعلام النبلاء، الذهبي (٤/ ٥٥).
(٢) جامع بيان العلم وفضله، ابن عبد البر، باب جامع لنشر العلم (٧٨٨).
(٣) جامع بيان العلم وفضله، ابن عبد البر، باب جامع لنشر العلم (٧٩٥).
(٤) انظر: تاريخ الإسلام، الذهبي (٨/ ٢٤٧).
(٥) صحيح البخاري، كتاب العلم، باب كيف يقبض العلم.
(٦) انظر: طبقات علماء إفريقية، أبو العرب التميمي (٢٠ - ٢١).

<<  <   >  >>