للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

سبيل المال، إن المال إذا زاد زادت زكاته) (١). وقال ابن المعتز (ت ٢٩٦ هـ): (وإنما عمر الإنسان كالبضاعة التي لا ينبغي أن ينفقها إلا في علم يزداد بالإنفاق) (٢).

فالمفتي مبلِّغ لأحكام الشريعة، ومرجع الناس في معرفة الحلال والحرام إليه، ولذا عظم شأن المفتين في بلدان المسلمين متى عرف منهم الناس العلم الراسخ والصدق والأمانة والنصيحة في الدين للقريب والبعيد والعام والخاص، والوقوف مع الناس في السراء والضراء، ولو مسَّهم من تبعات ذلك من الضُّرِّ ما مسَّهم، ونالهم من الأذى ما نالهم (٣).

٢ - مجالس الفتيا سبب لاستقرار أحوال الناس، متى كانت تلك الأحوال على وجه صالح مستقيم لا تأباه الشريعة، ولذا تواطأت وصية الفقهاء بترك أهل كلِّ بلد وما سبق إليهم من وجوه الفتيا في عباداتهم ومعاملاتهم، وقد جرت بذلك سنة الفقهاء في عامة الأمصار. قال أبو مسهر (ت ٢١٨ هـ): (ينبغي للرجل أن يقتصر على علم بلده وعلى علم عالمه، فلقد رأيتني أقتصر على سعيد بن عبد العزيز (ت ١٦٧ هـ) فما أفتقر معه إلى أحد) (٤). وكان زيد بن بشر (ت ٢٤٢ هـ) من كبار أصحاب ابن وهب (ت ١٩٧ هـ) في تونس، وكان أهل المغرب يسألونه في بعض مسائلهم فيأبى أن يجيب، ويقول لهم: عليكم بأئمة


(١) طبقات الحنابلة، ابن أبي يعلى (٢/ ٢٣).
(٢) القول في علم النجوم، الخطيب البغدادي (١٩٧).
(٣) يمكن الرجوع إلى ((كتاب المحن)) لأبي العرب التميمي (ت ٣٣٣ هـ) للاطلاع على طرف مما ابتلي به أئمة المسلمين وفقهاؤهم وما تحملوه من قتل وحبس وضرب ونفي وتشريد جرَّاء ثباتهم وتصُّلبهم فيما ظهر لهم أنه الحق. وبصبرهم هذا ويقينهم تبوءوا في الأمة مقاعد الصدق والإمامة، وكان لهم في الناس المنزلة العظيمة. ومن ذلك أن سلطان السعديين لما حاصر مدينة فاس واستعصت عليه قيل له: لا يبايعك أهلها إلا إذا بايعك ابن الونشريسي (ت ٩٥٥ هـ) فبعث إليه سرًّا ووعده ومنَّأه، فأبى الشيخ وقال: (بيعة هذا السلطان-يعني: سلطان الوطاسيين-في رقبتي، ولا يحل لي خلعها إلا لموجب شرعي وهو غير موجود)، وتأبَّى عليه، فدسَّ عليه جماعة من المتلصصة ليحملوه إليه، فقتلوه بعد فراغه من درسه في جامع القرويين. انظر: الاستقصا، الناصري (٥/ ٢٢)، دوحة الناشر، الشفشاوني (٥٣). وانظر فيه: في (٥٥) حكاية الشيخ عبد الوهاب الزقاق كذلك.
(٤) تاريخ أبي زرعة الدمشقي (١/ ٤٢١).

<<  <   >  >>