للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

بلدكم (١). وقال شيخ الإسلام ابن تيمية (ت ٧٢٨ هـ): (ومن الناس من يكون نشأ على مذهب إمام معين أو استفتى فقيهًا معينًا أو سمع حكاية عن بعض الشيوخ، فيريد أن يحمل المسلمين كلهم على ذلك، وهذا غلط) (٢). وقال تاج الدين السبكي (ت ٧٧١ هـ): (الرأي السديد لمن رأى قواعد البلاد مستمرة على شيء غير باطل أن يجري الناس على ما يعهدون) (٣).

٣ - مجالس الفتيا مجالس تدريب للمتفقهين، بما تشتمل عليه من جوانب تطبيقية لما درسوه في مجالس العلم، بل هي مجالس دربة للفقيه المتأهل الذي لم يمارس الفتوى بعد. قال الأعمش (ت ١٤٨ هـ): (لما سمعت الحديث قلت: لو جلست إلى سارية أفتي الناس، قال: فجلست إلى سارية، فكان أول ما سألوني عنه لم أدر ما هو) (٤).

وقد كان طلبة الفقه يشهدون هذه المجالس، ويسألون الشيوخ في المسائل حتى يتلقوا عنهم طريقتهم في الفتيا. فمن ذلك ما روي عن أبي العالية (ت ٩٣ هـ) قال: سألت ابن عباس رضي الله عنه عن شيء، فقال: يا أبا العالية، أتريد أن تكون مفتيًا؟ فقلت: لا، ولكن لا آمن أن تذهبوا ونبقى، فقال: صدق أبو العالية (٥). بل كان الشيوخ يتعاهدونهم فيتخرج هؤلاء المفتون بهم.

قال عكرمة (ت ١٠٥ هـ): قال لي ابن عباس رضي الله عنه: (انطلق فأفت الناس وأنا لك عون) (٦).

فمجرد معرفة طلبة الفقه بالمسائل لا يخولهم بالجلوس في مجلس الفتيا حتى يتدربوا ويتمرسوا عليها في مثل هذه المجالس التطبيقية. وقد سئل أبو


(١) التسمية والحكايات، السرقسطي (١٣٢).
(٢) مجموع الفتاوى (٢٩/ ٣١٥).
(٣) طبقات الشافعية الكبرى (٨/ ٣٢١).
(٤) الفقيه والمتفقه، الخطيب البغدادي (٥٦٣).
(٥) سنن الدارمي، باب البلاغ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم (٥٦٣). وانظر: الحياة الفكرية والعلمية في أقاليم الخلافة الشرقية، د. علي مفتاح (١٨٩).
(٦) المدخل إلى السنن الكبرى، البيهقي (٢/ ٢٨١). وقد مضت الإشارة إلى إجازات الشيوخ لتلامذتهم بالإفتاء إذا تأهلوا له.

<<  <   >  >>