للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

الحسن القابسي (ت ٤٠٣ هـ) عمن يحفظ المدونة هل تسوغ له الفتيا؟ فقال: إن ذاكر الشيوخ فيها وتفقَّه جاز، وإن لم يذاكر فيها فلا يفعل (١).

ولذلك كانت هذه الفتاوى ثروة تشريعية يحرص الفقهاء على تدوينها، فالكثير من مدونات الفتيا كانت أجوبة في مجالس الإفتاء بعد كتابتها وتحريرها، فتجمع تحت اسم (الفتاوى) أو (الأجوبة) أو (النوازل) أو (المسائل) أو (الأحكام)، سواء كانت للمفتي نفسه أو كانت لغيره (٢). ومن ذلك على سبيل المثال (الفتاوى الأسعدية) حيث كانت جمعًا للفتاوى التي أجاب عنها مفتي المدينة أسعد الأسكداري (ت ١١١٦ هـ) في حلقته في مسجد النبي صلى الله عليه وسلم، وكان عليها التعويل في الحجاز عند الحنفية (٣). وهذه الفتاوى والأجوبة تشتمل على الجوانب التطبيقية، وتضج بشرح أحوال المستفتين ومعايشهم وأعرافهم وظروف حياتهم ومعاملاتهم، ولذا كانت مصدرًا خصبًا لتاريخ الحقبة التي دوِّنت فيها (٤). ومطالعة مثل هذه الكتب وطول التأمل فيها مما يعين على اكتساب الملكة والدربة على الإفتاء. قال محمد بن الحسن الحجوي (ت ١٣٧٦ هـ): (وكذلك على المفتي الإكثار من مطالعة كتب الفتاوى والنوازل الواقعية؛ ليعرف منها كيفية تطبيق الأحكام الكلية على القضايا الجزئية) (٥).

٤ - في مجالس الفتيا تربية للناس واستصلاح لهم وتزكية لأخلاقهم، والواجب على أهل الفتيا ملاحظة أحوال الناس واعتبارها في تنزيل الأحكام الكلية عليها، وأن يرتقوا بالناس إلى ما يطيقونه من أحوال الصلاح الخير واجتناب أسباب الفساد، ومن الإشارات ذات المغزى العميق في هذا المعنى


(١) فتاوى البرزلي (١/ ٦٣).
(٢) انظر: فتاوى الشاطبي، مقدمة المحقق: د. محمد أبو الأجفان (٨٤).
(٣) سلك الدرر، المرادي (١/ ٢٢٢).
(٤) انظر: فتاوى الشاطبي، مقدمة المحقق: د. محمد أبو الأجفان (٨٤)، كتب الفتاوى وأثرها في الفقه الإسلامي، د. هيثم عبد السلام (٩٠).
(٥) الفكر السامي (٤/ ٢٤٥). وانظر: مفتاح السعادة، طاش كبرى زاده (٢/ ٥٥٧).

<<  <   >  >>