للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

المفاصلة إلا أن يتبين الغرض وتُحفظ الرسول والآداب المطلوبة في كل حال، وربما سمي كل واحد من هؤلاء باسم الآخر إذا تحصَّلت المعاني.

والمذاكرة والمباحثة ضرورتان علميتان في تنمية الفقه وتثبيته، والوصية بهما مستفيضة متواترة في كلام أهل العلم؛ لئلا يضيع العلم أو ينسى (١).

فالعلم يجري على أسماع الناس ويحضرون مجالسه، غير أن فصل ما بين العالم وغيره وكثرة المذاكرة والمعاهدة وإدمان النظر والمباحثة والمساءلة، و (لولا النسيان لكان العلم كثيرًا) كما قال الحسن (ت ١١٠ هـ) (٢). وقد كان فقهاء الأمة وساداتها الكبار يوجزون سبيل التعلم فيقولون: أول العلم النية ثم الاستماع ثم الفهم ثم الحفظ ثم العمل ثم النشر (٣).

قال الخطيب البغدادي (ت ٤٦٣ هـ) بعد ذكره لشروط من يصلح للفتوى: (فمن شرط المفتي النظر في جميع ما ذكرناه ولن يدرك ذلك إلا بملاقاة الرجال، والاجتماع مع أهل النحل والمقالات المختلفة ومساءلتهم وكثرة المذاكرة لهم، وجمع الكتب ودرسها ودوام مطالعتها. والدليل على ما ذكرناه أن الله تعالى لما أراد إعلام الخلق أن ما أتى به نبينا صلى الله عليه وسلم من القصص والأخبار الماضية والسير المتقدمة معجزٌ أعلمهم أنه لا يُعرف بلقاء الرجال ودراسة الكتب وخطِّه بيمينه؛ ليصدق قوله إنه إعلام من الله، فدل على أن محصول ذلك في العادة بالملاقاة والبحث والدرس، ووجوده بخلاف ذلك خرق عادة صار به معجزًا، ولو لم يكن ذلك كذلك لم يكن لنفيها عنه معنى) (٤).

وروى الطبراني وغيره عن أبي جحيفة رضي الله عنه قال: (جالسوا الكبراء


(١) انظر: تذكرة السامع والمتكلم، ابن جماعة (١٩٩)، المعيد في أدب المفيد والمستفيد، العلموي (١٢٢).
(٢) جامع بيان العلم وفضله، ابن عبد البر (١/ ٤٤٨).
(٣) ورد ذلك ونحوه عن ابن المبارك وسفيان والفضيل وغيرهم، انظر: جامع بيان العلم وفضله، ابن عبد البر (١/ ٤٧٦).
(٤) الفقيه والمتفقه (٦٩٦).

<<  <   >  >>