للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

وخالطوا الحكماء وسائلوا العلماء) (١)، وجاء في وصف الزهري (ت ١٢٤ هـ) أنه كان يأتي المجالس من صدورها ولا يأتيها من خلفها، ولا يبقى في المجلس شاب إلا ساءله، ولا كهل إلا سائله، ثم يأتي الدار من دور الأنصار، فلا يبقى فيها شاب إلا ساءله، ولا كهل إلا ساءله، ولا فتى إلا ساءله، ولا عجوز إلا ساءلها، ولا كهلة إلا ساءلها، حتى يحاور ربات الحجال (٢).

ولقد كانت هذه المجالس التي يتذاكر فيها الفقه عامة مجالس أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، فقد روى أبو سعيد رضي الله عنه فقال: كان أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم إذا جلسوا كان حديثهم يعني الفقه، إلا أن يقرأ رجل سورة أو يأمروا رجلًا أن يقرأ سورة (٣). وبوّب البخاري (ت ٢٥٦ هـ) في كتاب مواقيت الصلاة: (باب السَّمَر في الفقه والخير بعد العشاء). وروى محمد بن الحسن (ت ١٨٩ هـ) في الآثار عن طلحة رضي الله عنه قال: تذاكرنا لحم الصيد يأكله المحرم، والنبي صلى الله ليه وسلم نائم، فارتفعت أصواتنا فاستيقظ النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: ((فيم تنازعون؟)) فقلنا: في لحم الصيد يأكله المحرم، فأمرنا بأكله. قال محمد: (وأراهم في هذا الحديث قد تنازعوا في الفقه فارتفعت أصواتهم، فاستيقظ النبي صلى الله عليه وسلم لذلك، فلم يعبه عليهم) (٤).

وكذلك كانت عامة مجالس الفقهاء إذا اجتمعوا فلا تكاد تخلو محادثتهم في الفقه أن تكون مذاكرة أو مباحثة، وللفقهاء ولع وشغف بذلك؛ لما فيه من الأجر الجزيل والثواب العظيم لمن ابتغى الله والدار الآخرة، ولما فيه من تثبيت العلم ونمائه. قال وهب بن منبِّه (ت ١١٤ هـ): (مجلس يتنازع فيه العلم أحب إلي من قدره صلاة) (٥). وروي عن الإمام مالك (ت ١٧٩ هـ) أنه قال:


(١) المعجم الكبير (٢٢/ ١٣٣).
(٢) الفقيه والمتفقه، الخطيب (٦٩٧).
(٣) المدخل إلى السنن الكبرى، البيهقي، باب مذاكرة العلم والجلوس مع أهله (٢/ ٢).
(٤) الآثار (١/ ٣٥٠).
(٥) سنن الدارمي، باب في فضل العلم والعالم (٣٣٤).

<<  <   >  >>