للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

(المذاكرة في الفقه أفضل من الصلاة) (١). قال العدوي (ت ١١٨٩ هـ) شارحًا: (مفاعلة تقتضي متعددًا؛ أي: تذكر الفقه من متعدد، بيان لما هو الأولى؛ لما فيه من نماء العلم وزيادته وشدة التوثق، وهو يشمل إفادته للمتعلمين وتفهمه من المتساوين) (٢). وفي مسائل إسحاق من منصور (ت ٢٥١ هـ): (قلت لأحمد (ت ٢٤١ هـ): من قال: تذاكر العلم بعض ليلة أحب إلي من إحيائها؟ قال: العلم الذي ينتفع به الناس في أمر دينهم. قلت: في الوضوء والصلاة والصوم والحج والطلاق ونحو هذا؟ قال: نعم. قال إسحاق-يعني: ابن راهويه- (ت ٢٣٨ هـ): كما قال) (٣).

فالفقه إن لم يتعاهده المتفقه بالمذاكرة مع أصحابه الذين يحضرون معه الدرس أو غيرهم ذهب به النسيان كلَّ مذهب (٤)، قال النووي (ت ٦٧٦ هـ): (وليذاكر بمحفوظاته وليدم الفكر فيها، ويعتني بما يحصل فيها من الفوائد، وليرافق بعض حاضري حلقة الشيخ في المذاكرة) (٥).

والله جل جلاله يقول في التنزيل: {وَلَكِنْ كُونُوا رَبَّانِيِّينَ بِمَا كُنْتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ وَبِمَا كُنتُمْ تَدْرُسُونَ} [آل عمران: ٧٩] قال طلحة بن مصرف (ت ١١٢ هـ): مدارسة الفقه. وقال أبو رزين (ت ٨٥ هـ): مذاكرة الفقه (٦)، كانوا يتذاكرون الفقه كما نتذاكره نحن (٧). فالمذاكرة سبب النفع وبقاء العلم، وقد قيل: فهم سطرين خيرٌ من حفظ، وقرينٌ ومذاكرةُ اثنين خير من هذين (٨).

ولما حجَّ الأوزاعي (ت ١٥٧ هـ) أتى المدينة فدخل المسجد، فلما بلغ ذلك مالكًا (ت ١٧٩ هـ) أتاه فسلَّم عليه وظلَّا يتذاكران الفقه من الظهر حتى


(١) الذخيرة، القرافي (١٣/ ٣٤٧).
(٢) حاشية العدوي على كفاية الطالب الرباني على رسالة ابن أبي زيد القيرواني (٤/ ٤٦٦).
(٣) مسائل الإمام أحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه برواية إسحاق بن منصور الكوسج (٢/ ٥٢٨).
(٤) انظر: الفقيه والمتفقه، الخطيب البغدادي (٦٤٥).
(٥) المجموع (١/ ٣٨).
(٦) رواه ابن السني في رياضة المتعلمين (٢٩٢).
(٧) تفسير ابن أبي حاتم (٢/ ٦٩٣).
(٨) انظر: البهجة في شرح التحفة، التسولي (٢/ ٧٠٢).

<<  <   >  >>