للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

أسوان أراد أن يحيي بها السنن وشرائع الإسلام، ولم يكن هنالك عالم ينافسه، فكان يقول لهم: سلوني عن الفرائض والسنن، وعن الأحكام ومغازي رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكانوا يقولون له: عندك حديث إرم ذات العماد؟ عندك حديث القياصرة والأكاسرة؟ عندك حديث داحس والغبرء؟ فأضاع علمه هناك، حتى قال فيه مالك (ت ١٧٩ هـ): غرَّب نفسه وأضاع علمه (١). وأخبر القاضي بهاء الدين القفطي (ت ٦٩٧ هـ) عن نفسه فقال: أعرف عشرين علمًا أنسيت بعضها لعدم المذاكرة (٢).

وقال الوزير ابن هبيرة (ت ٥٦٠ هـ): (حكى لي الشيخ محمد بن يحيى (ت ٥٥٥ هـ) رحمه الله عن أبي يعلى الفراء (ت ٤٥٨ هـ) رضي الله عنه، أنه قصده فقيه من ميَّافارقين ليقرأ عليه مذهب أحمد رضوان الله عليه، فسأله عن بلده فأخبره، فقال: إن أهل بلدك كلهم يقرِّرون مذهب الشافعي رضي الله عنه، فلماذا عدلت أنت عنه؟ قال له: غنما عدلت عن المذهب رغبة فيك أنت. فقال له: إن هذا لا يصلح؛ فإنك إذا كنت في بلدك على مذهب أحمد وباقي أهل البلدة على مذهب الشافعي لم تجد أحدًا يُعيد معك ولا يدارسك، وكنت خليقًا أن تثير خصومة أو توقع نزاعًا، بل كونك على مذهب الشافعي حيث أهل بلدك عليه أولى) (٣).

وقال أبو الحسن الماوردي (ت ٤٥٠ هـ): (فإذا عقل الكلام بسمعه فهم معانيه بقلبه، وإذا فهم المعاني سقط عنه كلفة استخراجها، وبقي عليه معاناة حفظها واستقرارها؛ لأن المعاني شوارد تضل بالإغفال، والعلوم وحشية تنفر بالإرسال، فإذا حفظها بعد الفهم أنست، وإذا ذكرها بعد الأنس رَسَت) (٤).

وما أحسن ما نقله الخطيب البغدادي (ت ٤٦٣ هـ) عن بعض الفقهاء إذ قال: (والعلم إذا لم يستعمل ولم يُذاكر به كالمسك إذا طال مكثه في الوعاء


(١) التسمية والحكايات، السرقسطي (٨١).
(٢) طبقات الشافعية الكبرى، ابن السبكي (٨/ ٣٩٢).
(٣) الإفصاح (٩/ ٥٣)، م تصحيح كلمة اقتضاها السياق من: المسودة، ابن تيمية (٥٤١).
(٤) أدب الدين والدنيا (٩٥).

<<  <   >  >>