للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

القاضي أبو يوسف (ت ١٨٢ هـ): (كان أبو حنيفة إذا عمل القول من أبواب الفقه راضه سنةً لا يخرجه إلى أحد من أصحابه، فإذا كان بعد سنة وأحكمه خرج إلى أصحابه، وإذا تكلم في الاستحسان همّه مناظرة نفسه) (١)، وقال أبو إسحاق الشيرازي (ت ٤٧٦ هـ): (كنت أعيد كلَّ قياس ألف مرة، فإذا فرغت منه أخذت قياسًا آخر وهكذا، وكنت أعيد كلَّ درس ألف مرة) (٢). ولما خرَّج ابن الصيرفي الحنبلي (ت ٦٧٨ هـ) جواز دفع الرشوة إلى القاضي الظالم لدفع ظلمه على عامل الخراج ذاكر بذلك شيخه أبا البقاء العكبري (ت ٦١٦ هـ) فلم يُصوِّبه، قال: ثم رأيته ابن عقيل (ت ٥١٣ هـ) في فنونه صرَّح بما خرَّجتُه (٣).

وكان أبو سحاق الشاطبي (ت ٧٩٠ هـ) كثير المذاكرة والمباحثة مع شيوخ زمانه، ويشير إلى ذلك في كتبه (٤)، وقال فيه أحمد بابا التنبكتي (ت ١٠٣٦ هـ): (اجتهد وبرع وفاق الأكابر والتحق بكبار الأئمة في العلوم وبالغ في التحقيق، وتكلم مع كثير من الأئمة في مشكلات المسائل من شيوخه وغيرهم كالقباب (ت ٧٧٨ هـ) وقاضي الجماعة الفشتالي (ت ٧٧٧ هـ) والإمام ابن عرفة (ت ٨٠٣ هـ) والولي الكبير أبي عبد الله بن عباد (ت ٧٩٢ هـ) وجرى له معهم أبحاث ومراجعات أجلت عن ظهوره فيها وقوة عارضته وإمامته، منها: مسألة مراعاة الخلاف في المذهب. له فيها بحث عظيم مع الإمامين القباب وابن عرفة، وله أبحاث جليلة في التصوف وغيره، وبالجملة فقدره في العلوم فوق ما يذكر، وتحليته في التحقيق فوق ما يشهر) (٥).

٣ - بمباحثة الفقه مع أهله يطَّلع الفقيه والمتفقه على مواضع الإشكال ومواطن الاشتباه والسؤال، ومعرفة الإشكال فنٌّ في نفسه وله فائدة لا تخفى؛ إذ هو يستدعي البحث ويهيِّج عليه. قال ابن سعدي (ت ١٣٧٦ هـ) في جملة


(١) الفقيه والمتفقه، الخطيب البغدادي (٤٥٧).
(٢) طبقات الشافعية الكبرى، ابن السبكي (٤/ ٢١٨).
(٣) الذيل على طبقات الحنابلة، ابن رجب (٣/ ٢٣٨).
(٤) انظر على سبيل المثال: الموافقات (١/ ١٥٩) و (٤/ ١٣).
(٥) نيل الابتهاج (٤٩).

<<  <   >  >>