للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

جواب له: (ونحن ممنونون في كل ما يقع لكم من الإشكالات؛ لأنها قد تصير سببًا لبحث أمور لم تخطر على البال ومراجعة محالِّها، وهذا من طرق العلم، فلا تحرمونا ذلك) (١). وكان بعض الطلبة يقرؤون على أبي الوليد بن رشد (ت ٥٢٠ هـ) بعض مسائل العُتبيَّة (المستخرجة) التي أشكلت عليهم، فبينَّها وكشف موطن الإشكال منها، فسُرُّوا بذلك وقالوا له: والله لقد ظهرت المسألة وارتفع الإشكال منها، وكم من مسألة عويصة في العتبية لا يُفهم معناها وتحمل على غير وجهها، فلو استخرجتَ المسائل المشكلات منها وشرحتها وبيَّنتها، لأبقيت بذلك أثرًا جميلًا يبقى عليك ذكره، ويعود عليك ما بقيت الدينا أجره. قال أبو الوليد: (فقلت لهم: وأيُّ المسائل هي المسائل المشكلات منها المفتقرة إلى الشرح والبيان، من الجليات غير المشكلات التي لا تفتقر إلى كلام ولا تحتاج إل شرح وبيان؟! فقلَّ مسألة منها وإن كانت جلية في ظاهرها، إلا وهي مفتقرة إلى التكلم على ما يخفى من باطنها) (٢)، ثم كان ذلك سببًا في شروعه في كتابة (البيان والتحصيل).

٤ - مذاكرة الفقه سبب في تثوير العلم وداعية إلى التفتيش فيه. قال الزهري (ت ١٢٤ هـ): (العلم خزائن ومفاتيحها السؤال) (٣)، وقال الخليل (ت ١٧٠ هـ): (ولا تجزع بتفريع السؤال؛ فإنه ينبهك على علم ما لم تعلم) (٤). وثمرة ذلك مما يشترك به السائل والمسؤول ومن حضر مجلس السؤال، فلا يختص بفائدته بعضهم دون بعض، وكلما كان السائل أشدَّ ممارسة للعلم عادت جدوى سؤاله على شيخه بالفضل الكبير والمنفعة. قال ثعلب (ت ٢٩١ هـ): (إنما يتسع علم العالم بحسب حذق من يسأله، فيطالبه بحقائق الكلام، وبمواضع النكت؛ لأنه إذا طالبه بحقائق الكلام احتاج إلى البحث والتنقير والنظر والفكر، فيتجدَّد حفظه، وتتسع معرفته، وتقوى


(١) الفتاوى السعدية (١١٧).
(٢) البيان والتحصيل (١/ ٢٧).
(٣) جامع بيان العلم وفضله، ابن عبد البر (١/ ٣٧٩).
(٤) جامع بيان العلم وفضله، ابن عبد البر (١/ ٣٨١).

<<  <   >  >>